كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: ٣٤] ، واستظهر أبو حيان أن المراد بالإنسان جنس الكافر، وقيل:
هو معين كعتبة بن ربيعة ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه من الخول بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى وأطلق على العطاء لما أن المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب إحسانه ونشو امتنانه بتكرير العطاء عليه مرة بعد أخرى، وقال بعضهم: معنى خَوَّلَهُ في الأصل أعطاه خولا بفتحتين أي عبيدا وخدما أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه ثم عمم لمطلق العطاء، وجوز الزمخشري كونه من خال يخول خولا بسكون الواو إذا افتخر، واعترض بأنه صرح في الصحاح أن خال بمعنى افتخر يائي والخيلاء بمعنى التكبر يدل عليه دلالة بينة، وأيضا خول متعد إلى مفعولين وأخذه منه لا يقتضي أن يتعدى للمفعول الثاني.
وأجيب عن الأول بأن الزمخشري من أئمة النقل وقد ثبت عنده وأصله من الخال الذي هو العلامة، وقد نقل فيه الواو والياء ثم قيل لسيما الجمل والخير خال من ذلك وأخذ منه الخيال وأما الاختيال بمعنى التكبر فهو مأخوذ من الخيال لأنه خال نفسه فوق قدره أو جعل لنفسه خال الخير كما يقال: أعجب الرجل فقد وضح أن الاشتقاق يناسبهما ولا ينكر ثبوت الياء بدليل الخيلاء لكن لا مانع من ثبوت الياء أيضا وليس الاختيال مأخوذا من الخيلاء بل الخيلاء هو الاسم منه فلا يصلح مانعا لكن يصلح مثبتا للياء، وعن الثاني بأنه ليس المراد أن خول مضعف خال بمعنى افتخر حتى يشكل تعديته للمفعول الثاني بل أنه موضوع في اللغة لمعنى أعطى وما ذكر بيان لمأخذ اشتقاقه وأصل معناه الملاحظ في وضعه له ومثله كثير فأصل خوله جعله مفتخرا بما أنعم عليه ثم قطع النظر عنه وصار بمعنى أعطاه مطلقا نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إزالته وكشفه مِنْ قَبْلُ التخويل فما واقعة على الضر ودعا من الدعوة وهو يتعدى بإلى يقال دعا المؤذن الناس إلى الصلاة ودعا فلان الناس إلى مأدبته والدعوة مجاز عن الدعاء، والمعنى على اعتبار المضاف كما أشير إليه، ويجوز أن يراد بما معنى من للدلالة على الوصفية والتفخيم واقعا عليه تعالى كما في قوله تعالى: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الليل: ٣] وقوله سبحانه: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [الكافرون: ٥] والدعاء على ظاهره وتعديته بإلى لتضمينه معنى الإنابة أو التضرع والابتهال، والمعنى نسي ربه الذي كان يدعو منيبا أو متضرعا إليه وهو وجه لا بأس به، وما قيل من أنه تكلف إذ لا يقال دعا إليه بمعنى دعاه ولا حاجة إلى جعل ما بمعنى من مردود لحسن موقع التضمين واستعمال ما في مقام التفخيم. وفي الإرشاد أن في ذلك الجعل إيذانا بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلا من أن يعرفه من هو، وقيل: ما مصدرية أي نسي كونه يدعو، وقيل: هي نافية وتم الكلام عند قوله تعالى: نَسِيَ أي نسي ما كان فيه من الضر ثم نفي أن يكون دعاء هذا الكافر خالصا لله تعالى من قبل أي من قبل الضر ولا يخفى ما فيه وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً شركاء في العبادة، والظاهر من استعمالاتهم إطلاق الأنداد على الشركاء مطلقا، وفي البحر أندادا أي أمثالا يضاد بعضها بعضا ويعارض، قال قتادة:
أي الرجال يطيعهم في المعصية، وقال غيره أوثانا لِيُضِلَّ الناس بذلك عَنْ سَبِيلِهِ عزّ وجلّ الذي هو التوحيد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعيسى «ليضلّ» بفتح الياء أي ليزداد ضلالا أو ليثبت عليه وإلا فاصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور، واللام لام العاقبة كما في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص: ٨] بيد أن هذا أقرب إلى الحقيقة لأن الجاعل هاهنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال وأن لم يعرف بجهله أنهما إضلال وضلال وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلا.
قُلْ تهديدا لذلك الجاعل وبيانا لحاله ومآله تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ أي ملازميها والمعذبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتع وفيه من الاقناط من النجاة وذم الكفر