القاسي من أجل الشيء أشد تأبيا من قبوله من القاسي عنه بسبب آخر، وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بالامتناع ذكر شرح الصدر لأن توسعته وجعله محلا للإسلام دون القلب الذي فيه يدل على شدته وافراط كثرته التي فاضت حتى ملأت الصدر فضلا عن القلب، وإسناده إلى الله تعالى الظاهر في أنه على أتم الوجوه لأنه فعل قادر حكيم وقابله بالقساوة مع أن مقتضى المقابلة أن يعبر بالضيق لأن القساوة كما في الصخرة الصماء تقتضي عدم قبول شيء بخلاف الضيق فإنه مشعر بقبول شيء قليل، وعدل عن التعبير بما يفيد مجعولية القساوة له تعالى وخلقه إياها للإشارة إلى غاية لزومها لهم حتى كأنها لو لم تجعل لتحققت فيهم بمقتضى ذواتهم، وأما إسنادها إلى القلوب دون الصدور فللتنصيص على فساد هذا العضو الذي إذا فسد فسد الجسد كله، واعتبر الجمع في هؤلاء الكفرة والإفراد في أولئك المؤمنين حيث قال سبحانه: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ دون أفمن شرح الله صدورهم للإشارة إلى أن المؤمنين وأن تعددوا كرجل واحد ولا كذلك الكفار.
أُولئِكَ البعداء المتصفون بما ذكر من قساوة القلوب فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ظاهر كونه ضلالا لكل أحد.
والآية نزلت في علي وحمزة رضي الله تعالى عنهما وأبي لهب وابنه فعلي كرم الله تعالى وجهه وحمزة رضي الله تعالى عنه ممن شرح الله تعالى صدره للإسلام وأبو لهب وابنه من القاسية قلوبهم اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ هو القرآن الكريم، وكونه حديثا بمعنى كونه كلاما محدثا به لا بمعنى كونه مقابلا للقديم، ومن قال بالتلازم من الأشاعرة القائلين بحدوث الكلام اللفظي جعل الأوصاف الدالة على الحدوث لذلك الكلام، وجوز أن يكون إطلاق الحديث هنا على القرآن من باب المشاكلة.
عن ابن عباس أن قوما من الصحابة قالوا: يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان وبأخبار الدهر فنزلت
،
وعن ابن مسعود أن الصحابة ملوا ملة فقالوا عليه الصلاة والسلام حدثنا فنزلت
أي إرشادا لهم إلى ما يزيل مللهم وهو تلاوة القرآن واستماعه منه صلى الله عليه وسلم غضا طريا. وفي إيقاع اسم الله تعالى مبتدأ وبناء نَزَّلَ عليه تفخيم لأحسن الحديث واستشهاد على أحسنيته وتأكيد لاستناده إلى الله عزّ وجلّ وأن مثله لا يمكن أن يتكلم به غيره سبحانه، أما التفخيم فلأنه من باب الخليفة عند فلان، وأما الاستشهاد على أحسنيته فلكونه ممن لا يتصور أكمل منه بل لا كمال لشيء ما في جنبه بوجه، وأما توكيد الاستناد إليه تعالى فمن التقوى، وأما أن مثله لا يمكن أن يتكلم به غيره سبحانه فلمكان التناسب لأن أكمل الحديث إنما يكون من أكمل متكلم ضرورة، ومذهب الزمخشري أن مثل هذا التركيب يفيد الحصر وأنه لا تنافي بينه وبين التقوى جمعا فافهم.
كِتاباً بدل من أَحْسَنَ الْحَدِيثِ أو حال منه كما قال الزمخشري، وليس مبنيا على القول بأن إضافة أفعل التفضيل تفيده تعريفا كما ظن أبو حيان فإن مطلق الإضافة كافية في صحة الحالية كما لا يخفى على من له أدنى إلمام بالعربية، ووقوعه حالا مع كونه اسما لا صفة إما لوصفه بقوله تعالى: مُتَشابِهاً أو لكونه في قوة مكتوبا.
والمراد بكونه متشابها هنا تشابه معانيه في الصحة والأحكام والابتناء على الحق والصدق واستتباع منافع الخلق في المعاد والمعاش وتناسب ألفاظه في الفصاحة وتجاوب نظمه في الإعجاز، وما أشبه هذا بقول العرب في الوجه الكامل حسنا وجه متناصف كأن بعضه أنصف بعضا في القسط من الجمال، وقوله تعالى: مَثانِيَ صفة أخرى لكتابا أو حال أخرى منه، وهو جمع مثنّى بضم الميم وفتح النون المشدد على خلاف القياس إذ قياسه مثنيات بمعنى مردد ومكرر لما مكرر وثني من أحكامه ومواعظه وقصصه، وقيل: لأنه يثنى في التلاوة.
وجوز أن يكون جمع مثنى بالفتح مخففا من التثنية بمعنى التكرير والإعادة كما كان قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: ٤] بمعنى كرة بعد كرة وكذلك لبيك وسعديك، والمراد أنه جمع لمعنى التكرير والإعادة كما ثنى ما ذكر لذلك لكن استعمال المثنى في هذا المعنى أكثر لأنه أول مراتب التكرار، ويحتمل أن يراد أن مثنى