للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيبوبه فلعله أغلبي، وقد يقال: هذا المعنى يقتضيه السياق من غير توقف على كون إذ فجائية، ثم المراد أن هذا الكاذب المكذب أظلم من كل ظالم أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ أي لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه وتعالى وسارعوا إلى التكذيب بالصدق، ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر، والجمع باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار لفظها أو لجنس الكفرة فيشمل أهل الكتاب ويدخل هؤلاء في الحكم دخولا أوليا، وأيا ما كان فالمعنى على كفاية جهنم مجازاة لهم كأنه قيل: أليست جهنم كافية للكافرين مثوى كقوله تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها [المجادلة: ٨] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، والكفاية مفهومة من السياق كما تقول لمن سألك شيئا: ألم أنعم عليك تريد كفاك سابق إنعامي عليك، واستدل بالآية على تكفير أهل البدع لأنهم مكذبون بما علم صدقه.

وتعقب بأن «من كذب» مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم لا مطلقا لقوله تعالى: إِذْ جاءَهُ ولو سلم إطلاقه فهم لكونهم يتأولون ليسوا مكذبين وما نفوه وكذبوه ليس معلوما صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافرا كمنكر فرضية الصلاة ونحوها.

وقال الخفاجي: الأظهر أن المراد تكذيب الأنبياء عليهم السلام بعد ظهور المعجزات في أن ما جاؤوا به من عند تعالى لا مطلق التكذيب، وكأني بك تختار أن المتأول غير مكذب لكن لا عذر في تأويل ينفي ما علم من الدين ضرورة وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس، وفسر الصدق بلا إله إلا الله، والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية دخول الجند في قولك: نزل الأمير موضع كذا، وليس هذا من الجمع بين الحقيقة والمجاز في شيء لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، ولا يضر في ذلك أن المجيء بالصدق ليس وصفا للمؤمنين الأتباع كما لا يخفى، والموصول على هذا مفرد لفظا ومعنى، والجمع في قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ باعتبار دخول الأتباع تبعا، ومراتب التقوى متفاوتة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها، وجوز أن يكون الموصول صفة لمحذوف أي الفوج الذي أو الفريق الذي إلخ فيكون مفرد اللفظ مجموع المعنى فقيل: الكلام حينئذ على التوزيع لأن المجيء بالصدق على الحقيقة له عليه الصلاة والسلام والتصديق بما جاء به وأن عمه وأتباعه صلى الله عليه وسلم لكنه فيهم أظهر فليحمل عليه للتقابل، وفي الكشف الأوجه أن لا يحمل على التوزيع غاية ما في الباب أن أحد الوصفين في أحد الموصوفين أظهر، وعليه يحمل كلام الزمخشري الموهم للتوزيع، وحمل بعضهم الموصول على الجنس فإن تعريفه كتعريف ذي اللام يكون للجنس والعهد، والمراد حينئذ به الرسل والمؤمنون.

وأيد إرادة ما ذكر بقراءة ابن مسعود والذين جاؤا بالصدق وصدقوا به وزعم بعضهم أنه أريد والذين فخذفت النون كما في قوله:

إن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم مالك

وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله:

ابني كليب إنّ عميّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الاغلالا

وقال علية وأبو العالية والكلبي. وجماعة الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه. وأخرج ذلك ابن جرير والباوردي في معرفة الصحابة وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان وله

<<  <  ج: ص:  >  >>