في الفرج فقال له أفيكون ما سوى الفرج محرما فألتزمه؟ فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو في ذلك حرث؟ قال: لا قال: أفيحرم؟ قال: لا قال: فكيف تحتج بما لا تقول به، وكأنه من هنا قال الشافعي فيما حكاه عنه الطحاوي والحاكم والخطيب لما سئل عن ذلك: ما صح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وهذا خلاف ما نعرف من مذهب الشافعي فإن رواية التحريم عنه مشهورة فلعله كان يقول ذلك في القديم ورجع عنه في الجديد لما صح عنده من الأخبار أو ظهر له من الآية وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ما يصلح للتقديم من العمل الصالح ومنه التسمية عند الجماع وطلب الولد المؤمن،
فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:«قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا»
وصح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له»
وعن عطاء تخصيص المفعول بالتسمية. وعن مجاهد بالدعاء عند الجماع، وعن بعضهم بطلب الولد وعن آخرين بتزوج العفائف والتعميم أولى وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما أمركم به ونهاكم عنه.
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ بالبعث فيجازيكم بأعمالكم فتزودوا ما ينفعكم والضمير المجرور راجع إلى الله تعالى بحذف مضاف أو بدونه ورجوعه إلى ما قدمتم أو إلى الجزاء المفهوم منه بعيد والأوامر معطوفة على قوله تعالى:
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ وفائدتها الإرشاد العام بعد الإرشاد الخاص وكون الجملة السابقة مبينة لا يقتضي أن يكون المعطوف عليها كذلك وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الذين تلقوا ما خوطبوا به بالقبول والامتثال بما لا تحبط به عبارة من الكرامة والنعيم، وحمل بعضهم المؤمنين على الكاملين في الإيمان بناء على أن الخطابات السابقة كانت للمؤمنين مطلقا فلو كانت هذه البشارة لهم كان مقتضى الظاهر وبشرهم فلما وضع المظهر موضع المضمر علم أن المراد غير السابقين وهم المؤمنون الكاملون ولا يخفى أنه يجوز أن يكون العدول إلى الظاهر للدلالة على العلية ولكونه فاصلة فلا يتم ما ذكره والواو للعطف، وَبَشِّرِ عطف على قُلْ المذكور سابقا أو على «قل» مقدرة قبل قدموا وهي معطوفة على المذكورة «ومن باب الإشارة» يسألونك عن خمر الهوى وحب الدنيا وميسر احتيال النفس بواسطة قداحها التي هي حواسها العشرة المودعة في ربابة البدن لنيل شيء من جزور اللذات والشهوات قل فيهما إثم الحجاب والبعد عن الحضرة ومنافع للناس في باب المعاش وتحصيل اللذة النفسانية والفرح بالذهول عن المعايب والخطرات المشوشة والهموم المكدرة وإثمهما أكبر من نفعهما لأن فوات الوصال في حظائر الجمال لا يقابله شيء، ولا يقوم مقامه- وصال سعدى ولامى- ولفرق عند الأبرار بين السكر من المدير والسكر من المدار:
وأسكر القوم ورود كأس ... وكان سكرى من المدير
وهذا هو السكر الحلال لكنه فوق عالم التكليف ووراء هذا العالم الكثيف وهو سكر أرواح لا أشباح وسكر رضوان لا حميا دنان:
وما مل ساقيها ولا مل شارب ... عقار لحاظ كأسها يسكر اللبا
وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ وهو ما سوى الحق من الكونين كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ المنزلة من سماء الأرواح لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدنيا والآخرة وتقطعون بواديهما بأجنحة السير والسلوك إلى ملك الملوك وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ وهو غلبة دواعي الصفات البشرية والحاجات الإنسانية «قل هو أذى» تنفر القلوب الصافية عنه فاعتزلوا بقلوبكم نساء النفوس في محيض غلبات الهوى حتى يطهرن ويفرغن من قضاء الحوائج الضرورية