وجوز أن يكون مدخول الهمزة المحذوف هنا الاتخاذ أي قل لهم أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئا من الأشياء فضلا عن أن يملكوا الشفاعة عند الله تعالى ولا يعقلون قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لعله كما قال الإمام رد لما يجيبون به وهو أن الشفعاء ليست الأصنام أنفسها بل أشخاص مقربون هي تماثيلهم، والمعنى أنه تعالى مالك الشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة ما إلا أن يكون المشفوع مرتضى والشفيع مأذونا له وكلاهما مفقودان هاهنا، وقد يستدل بهذه الآية على وجود الشفاعة في الجملة يوم القيامة لأن الملك أن الاختصاص الذي هو مفاد اللام هنا يقتضي الوجود فالاستدلال بها على نفي الشفاعة مطلقا في غاية الضعف.
وقوله تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ استئناف تعليلي لكون الشفاعة جميعا له عزّ وجلّ كأنه قيل: له ذلك لأنه جل وعلا مالك الملك كله فلا يتصرف أحد بشيء منه بدون إذنه ورضاه فالسماوات والأرض كناية عن كل ما سواه سبحانه، وقوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ عطف على قوله تعالى: لَهُ مُلْكُ إلخ وكأنه تنصيص على مالكية الآخرة التي فيها معظم نفع الشفاعة وإيماء إلى انقطاع الملك الصوري عما سواه عزّ وجلّ.
وجوز أن يكون عطفا على قوله تعالى: لِلَّهِ الشَّفاعَةُ وجعله في البحر تهديدا لهم كأنه قيل: ثم إليه ترجعون فتعلمون أنهم لا يشفعون لكم ويخيب سعيكم في عبادتهم، وتقديم إِلَيْهِ للفاصلة وللدلالة على الحصر إذ المعنى إليه تعالى لا إلى أحد غيره سبحانه لا استقلالا ولا اشتراكا ترجعون وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ أي مفردا بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم، وقيل: أي إذا قيل لا إله إلا الله اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي انقبضت ونفرت كما في قوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً [الإسراء: ٧٦] وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ فرادى أو مع ذكر الله عزّ وجلّ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ لفرط افتتانهم بهم ونسيانهم حق الله تعالى، وقد بولغ في بيان حالهم القبيحة حيث بين الغاية فيهما فإن الاستبشار أن يمتلىء القلب سرورا حتى ينبسط له بشرة الوجه، والاشمئزاز أن يمتلىء غيظا وغما ينقبض عنه أديم الوجه كما يشاهد في وجه العابس المحزون، وإِذا الأولى شرطية محلها النصب على الظرفية وعاملها الجواب عند الأكثرين وهو اشْمَأَزَّتْ أو الفعل الذي يليها وهو ذُكِرَ عند أبي حيان وجماعة، وليست مضافة إلى الجملة التي تليها عندهم، وكذا إِذا الثانية فالعامل فيها إما ذُكِرَ بعدها وإما يَسْتَبْشِرُونَ وإِذا الثالثة فجائية رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط كالفاء، فعلى القول بحرفيتها لا يعمل فيها شيء وعلى القول باسميتها وأنها ظرف زمان أو مكان عاملها هنا خبر المبتدأ بعدها، وقال الزمخشري: عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره فاجاؤوا وقت الاستبشار فهي مفعول به، وجوز أن تكون فاعلا على معنى فاجأهم وقت الاستبشار، وهذا الفعل المقدر هو جواب إذا الثانية فتتعلق به بناء على قول الأكثرين من أن العامل في إذا جوابها، ولا يلزم تعلق ظرفين بعامل واحد لأن الثاني منهما ليس منصوبا على الظرفية.
نعم قيل على الزمخشري: إنه لا سلف له فيما ذهب إليه، وأنت تعلم أن الرجل في العربية لا يقلد غيره، ومن العجيب قول الحوفي إن إِذا الثالثة ظرفية جيء بها تكرارا لإذا قبلها وتوكيدا وقد حذف شرطها والتقدير إذا كان ذلك هم يستبشرون، ولا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا، والآية في شأن المشركين مطلقا. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه فسر الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ بأبي جهل بن هشام والوليد بن عقبة وصفوان وأبيّ بن خلف، وفسر الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ باللات والعزى وكأن ذلك تنصيص على بعض أفراد العام. وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أن الآية حكت ما كان من المشركين يوم قرأ النبي صلّى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ [النجم: ١] عند باب الكعبة: وهذا أيضا لا ينافي العموم كما لا يخفى، وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين يهشون