للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المصاحف بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ رد لقوله ذلك، والضمير للنعمة باعتبار لفظها كما أن الأول لها باعتبار معناها، واعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى جائز وإن كان الأكثر العكس، وجوز أن يكون التأنيث باعتبار الخبر، وقيل: هو ضمير الإتيان وقرىء بالتذكير فهو للنعمة أيضا كالذي مر أو للإتيان أي ليس الأمر كما يقول بل ما أوتيه امتحان له أيشكر أم يكفر، وأخبر عنه بالفتنة مع أنه آلة لها لقصد المبالغة، ونحو هذا يقال على تقدير عود الضمير للإتيانة أو الإتيان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إن الأمر كذلك وهذا ظاهر في أن المراد بالإنسان الجنس إذ لو أريد العهد لقيل لكنه لا يعلم أو لكنهم لا يعلمون وإرادة العهد هناك وإرجاع الضمير للمطلق هنا على أنه استخدام نظير عندي درهم ونصفه تكلف.

والفاء للعطف وما بعدها عاطف على قوله تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ إلخ وهي لترتيبه عليه والغرض منه التهكم والتحميق، وفيه ذمهم بالمناقضة والتعكيس حيث إنهم يشمئزون عن ذكر الله تعالى وحده ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره، وهذا كما تقول: فلان يسيء إلى فلان فإذا احتاج سأله فأحسن إليه، ففي الفاء استعارة تبعية تهكمية، وقيل: يجوز أن تكون للسببية داخلة على السبب لأن ذكر المسبب يقتضي ذكر سببه لأن ظهور ما لم يكونوا يحتسبون إلخ مسبب عما بعد الفاء إلا أنه يتكرر مع قوله تعالى الآتي: والَّذِينَ ظَلَمُوا منهم إلى آخره إن لم يتغايرا بكون أحدهما في الدنيا والآخرة في الأخرى، وإلى ما قدمنا ذهب الزمخشري، والجمل الواقعة في البين عليه أعني قوله سبحانه: قُلِ اللَّهُمَّ- إلى- يَسْتَهْزِؤُنَ اعتراض مؤكد للإنكار عليهم، وزعم أبو حيان أن في ذلك تكلفا واعتراضا بأكثر من جملتين وأبو علي الفارسي لا يجيز الاعتراض بجملتين فكيف يجيزه بالأكثر، وأنا أقول: لا بأس بذلك لا سيما وقد تضمن معنى دقيقا لطيفا، والفارسي محجوج بما ورد في كلام العرب من ذلك قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ضمير قالَهَا لقوله تعالى: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ [القصص: ٧٨] لأنها كلمة أو جملة. وقرىء بالتذكير أي القول أو الكلام المذكور، والذين من قبلهم قارون وقومه فإنه قال ورضوا به فالإسناد من باب إسناد ما للبعض إلى الكل وهو مجاز عقلي.

وجوز أن يكون التجوز في الظرف فقالها الذين من قبلهم بمعنى شاعت فيهم، والشائع الأول، والمراد قالوا مثل هذه المقالة أو قالوها بعينها ولاتحاد صورة اللفظ تعد شيئا واحدا في العرف فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ من متاع الدنيا ويجمعونه منه.

فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا أي أصابهم جزاء سيئات كسبهم أو الذي كسبوه على أن الكلام بتقدير مضاف أو أنه تجوز بالسيئات عما تسبب عنها وقد يقال لجزاء السيئة سيئة مشاكلة نحو قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فيكون ما هنا من المشاكلة التقديرية، وإذا كان المعنى على جعل جزاء جميع ما كسبوا سيئا دل الكلام على أن جميع ما كسبوا سيء إذ لو كان فيه حسن جوزي عليه جزاء حسنا، وفيه من ذمهم ما فيه.

وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ المشركين، ومِنْ للبيان فإنهم كلهم كانوا ظالمين إذا الشرك ظلم عظيم أو للتبعيض فالمراد بالذين ظلموا من أصر على الظلم حتى تصيبهم قارعة وهم بعض منهم سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا كما أصاب الذين من قبلهم، والمراد به العذاب الدنيوي وقد قحطوا سبع سنين، وقتل ببدر صناديدهم وقيل العذاب الأخروي، وقيل: الأعم، ورجح الأول بأنه الأوفق للسياق، وأشير بقوله تعالى: وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أي بفائتين على ما قيل إلى العذاب الأخروي.

أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أن يبسطه له وَيَقْدِرُ لمن يشاء أن يقدر له من غير أن

<<  <  ج: ص:  >  >>