يؤيد الاتصال بما يليه دون قوله تعالى: وَيُنَجِّي أن قوله سبحانه: وَيُنَجِّي اللَّهُ متصل بقوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا فلو قيل بعده: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لم يحسن لأن الأحسن على هذا المساق أن يقدم على قوله تعالى: وَيُنَجِّي اللَّهُ على ما لا يخفى ولأنه كالتخلص إلى ما بعده من حديث الأمر بالعبادة والإخلاص إذ ذاك، وهو كلام حسن، ثم الحصر الذي يقتضيه تعريف الطرفين وضمير الفصل باعتبار الكمال كما أشرنا إليه لا باعتبار مطلق الخسران فانه لا يختص بهم وجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين.
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ أي أبعد الآيات المقتضية لعبادته تعالى وحده غير الله أعبد، فغير مفعول مقدم لأعبد وتَأْمُرُونِّي اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا له صلّى الله عليه وسلم: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ولذا نودوا بعنوان الجهل، وجوز أن يكون أَعْبُدُ في موضع المفعول- لتأمروني- على أن الأصل تأمروني أن أعبد فحذفت أن وارتفع الفعل كما قيل في قوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى ويؤيد قراءة من قرأ «أعبد» بالنصب، و «غير» منصوب بما دل عليه تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أي تعبدونني غير الله أي أتصيرونني عابدا غيره تعالى، ولا يصح نصبه بأعبد لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها والمقدر كالموجود، وقال بعضهم:
هو منصوب به وأن بعد الحذف يبطل حكمها المانع عن العمل، وقرأ ابن كثير تَأْمُرُونِّي بالإدغام وفتح الياء.
وقرأ ابن عامر «تأمرونني» بإظهار النونين على الأصل، ونافع «تأمروني» بنون واحدة مكسورة وفتح الياء، وفي تعيين المحذوف من النونين خلاف فقيل: الثانية لأنها التي حصل بها التكرار، وقيل: الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ أي من الرسل عليهم السلام لَئِنْ أَشْرَكْتَ أي بالله تعالى شيئا ما لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الظاهر أن جملة لَئِنْ إلخ نائب فاعل أُوحِيَ لكن قيل في الكلام حذف والأصل أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك إلخ، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك، وقيل: لا حذف، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلّى الله عليه وسلم والمرسلين الموحى إليهم فإنه أوحى لكل لَئِنْ أَشْرَكْتَ إلخ بالإفراد، وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل، ففي البحر أن إِلَيْكَ حينئذ نائب الفاعل، والمعنى كما قال مقاتل أوحى إليك وإلى الذين من قبلك بالتوحيد، وقوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ إلخ استئناف خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلم خاصة وهو كما ترى، وأيا ما كان فهو كلام على سبيل الفرض لتهييج المخاطب المعصوم وإقناط الكفرة والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه، فالاستدلال بالآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم السلام كما في المواقف ليس بشيء، فاحتمال الوقوع فرضا كاف في الشرطية لكن ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع شرعية، ولا ما لَقَدْ ولَئِنْ. موطئتان للقسم واللامان بعد للجواب، وفي عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الإشراك إلى الموت دليل للحنفية الذاهبين إلى أن الردة تحبط الأعمال التي قبلها مطلقا. نعم قالوا: لا يقضي منها بعد الرجوع إلى الإسلام إلا الحج، ومذهب الشافعي أن الردة لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر المرتد على الكفر إلى الموت، وترك التقييد هنا اعتمادا على التصريح به في قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: ٢١٧] ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد.
وأجاب بعض الحنفية بأن في الآية المذكورة توزيعا فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ناظر إلى الارتداد عن الدين