فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي. والنسائي وغيرهم عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد الله يحمل السماوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله عليه الصلاة والسلام وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية
، والمتأولون يتأولون الأصابع على الاقتدار وعدم الكلفة كما في قول القائل: أقتل زيدا بأصبعي، ويبعد ذلك ظاهر ما
أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه والبيهقي وغيرهم عن ابن عباد قال: مر يهودي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو جالس قال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه وأشار بالسبابة والأرضين على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه؟
كل ذلك يشير بأصابعه فأنزل الله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وجعل بعض المتأولين الإشارة إعانة على التمثيل والتخييل. وزعم بعضهم أن الآية نزلت ردا لليهودي حيث شبه وذهب إلى التجسيم وإن ضحكه عليه الصلاة والسلام المحكي في الخبر السابق كان للرد أيضا وأن «تصديقا له» في الخبر من كلام الراوي على ما فهم، ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر جدا، وجعلوا أيضا من باب الإعانة على التمثيل وتخييل العظمة فعله عليه الصلاة والسلام حين قرأ هذه الآية،
فقد أخرج الشيخان والنسائي وابن ماجة وجماعة عن ابن عمر «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلّى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرّن به»
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يأخذ الله تعالى سماواته وأرضيه بيديه ويقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك» .
وفي شرح الصحيح للإمام النووي نقلا عن المازري أن قبض النبي صلّى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط المقبوض وهو السماوات والأرضون لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة للقابض والباسط سبحانه وتعالى ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة انتهى، ثم إنّ ظاهر بعض الأخبار يقتضي أن قبض الأرض بعد طي السماوات وأنه بيد أخرى.
أخرج مسلم عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يطوي الله تعالى السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أين الجبارون أين المتكبرون؟»
وفي الشرح نقلا عن المازري أيضا أن إطلاق اليدين لله تعالى متأول على القدرة، وكني عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأؤكد في النفوس، وذكر اليمين والشمال حتى يتم التأول لأنا نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا تقوى لما لا تقوى له الشمال، ومعلوم أن السماوات أعظم من الأرض فأضافها إلى اليمين وأضاف الأرضين إلى الشمال ليظهر التقريب في الاستعارة وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ولا أثقل من شيء انتهى. والصوفية يقولون بالتجلي الصوري مع بقاء الإطلاق والتنزيه المدلول عليه بليس كمثله شيء، والأمر عليه سهل جدا. ثم إنّ التصرف في الأرض والسماوات يكون والناس على الصراط كما
جاء في خبر رواه مسلم عن عائشة مرفوعا، وروي أيضا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة»
والكلام في هذا الخبر كالكلام في نظائره، وإياك من التشبيه والتجسيم، وكذا من نسبة ذلك إلى السلف ولا تك كالمعتزلة في التحامل عليهم والوقيعة فيهم، ويكفي دليلا على جهل المعتزلة بربهم زعمهم أنه عزّ وجلّ فوض العباد فهم يفعلون ما لا يشاء