للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يستفد منها معرفة الحق ولا عمل الخير فإذا مات ربحه وضاع رأس ماله ووقع في عذاب الجهل وألم البعد عن عالمه والقرب مما يضاده أبد الآباد، فلا خسران فوق هذا ولا حرمان أبين منه، وقد أشار سبحانه إلى هذا بقوله تعالى:

لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ وهذا على الأول إشارة إلى إحاطة نار الحسرة بهم لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قيل الغرف المبنية بعضها فوق بعض إشارة إلى العلوم المكتسبة المبنية على النظريات وأنها تكون في المتانة واليقين كالعلوم الغريزية البديهية أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ من سماء حضرته سبحانه أو من سماء القلب ماءً ماء المعارف والعلوم فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ مدارك وقوى فِي الْأَرْضِ أرض البشرية ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً من الأعمال البدنية والأقوال اللسانية ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إشارة إلى أفعال المرائين وأقوالهم ترى مخضرة وفق الشرع ثم تصفر من آفة الرياء ثم تكون حطاما لا حاصل لها إلا الحسرة أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ للانقياد إليه سبحانه فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يستضيء به في طلبه سبحانه، ومن علامات هذا النور محو ظلمات الصفات الذميمة النفسانية والتحلية بالأخلاق الكريمة القدسية.

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ إذا قرعت صفات الجلال أبواب قلوبهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ بالشوق والطلب ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ يتجاذبونه وهم شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الأشغال وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ إشارة إلى المؤمن الخالص الذي لم يشغله شيء عن مولاه عزّ شأنه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ يشير إلى حال الكاذبين في دعوى الولاية وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ يشير إلى حال أقوام نبذوا الشريعة وراء ظهورهم وقالوا: هي قشر والعياذ بالله تعالى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ قيل: هو سواد قلوبهم ينعكس على وجوههم وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قيل المتقون قد عبدوا الله تعالى لله جل شأنه لا للجنة فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مطالع الجمال والجلال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة فلا جرم يفتقرون إلى السوق، وقيل: كل خصلة ذميمة أو شريفة في الإنسان فإنها تجره من غير اختيار شاء أم أبى إلى ما يضاهي حاله فذاك معنى السوق في الفريقين، وقيل: القوم أهل وفاء فهم يقولون: لا ندخل الجنة حتى يدخلها أحبابنا فلذا يساقون إليها ولكن لا كسوق الكفرة وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر بناء على أن العرش لا يتحول يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ إشارة إلى نعيمهم وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أعطى كل ما يستحقه وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على انقضاء الأمر وفصل القضاء بالعدل الذي لا شبهة فيه ولا امتراء، هذا والحمد لله تعالى على أفضاله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله.

<<  <  ج: ص:  >  >>