وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ أي العقوبات على ما روي عن قتادة، وإطلاق السيئة على العقوبة لأنها سيئة في نفسها، وجوز أن يراد بها المعنى المشهور وهو المعاصي والكلام على تقدير مضاف أي وقهم جزاء السيئات أو تجوز بالسبب عن المسبب، وأيا ما كان فلا يتكرر هذا مع وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ بل هو تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية والأخروية مطلقا أو الدعاء الأول للمتبوعين وهذا للتابعين، وجوز أن يراد بالسيئات المعنى المشهور بدون تقدير مضاف ولا تجوز أي المعاصي أي وقهم المعاصي في الدنيا ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها وهو دعاء بالحفظ عن سبب العذاب بعد الدعاء بالحفظ عن المسبب وهو العذاب، وتعقب بأن الأنسب على هذا تقديم هذا الدعاء على ذاك وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ أي يوم المؤاخذة فَقَدْ رَحِمْتَهُ ويقال على الوجه الأخير ومن تق السيئات يوم العمل أي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة وأيد هذا الوجه بأن المتبادر من يومئذ الدنيا لأن (إذ) تدل على المضي، وفيه منع ظاهر وَذلِكَ إشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته أو إلى الوقاية المفهومة من فعلها أو إلى مجموعهما، وأمر التذكير على الاحتمالين الأولين وكذا أمر الإفراد على الاحتمال الأخبر ظاهر هُوَ الْفَوْزُ أي الظفر الْعَظِيمُ الذي لا مطمع وراءه لطامع، هذا وإلى كون المراد بالذين تابوا الذين تابوا من الذنوب مطلقا ذهب الزمخشري، وقال في السيئات على تقدير حذف المضاف هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها، وذكر أن الوقاية منها التكفير أو قبول التوبة وأن هؤلاء المستغفر لهم تائبون صالحون مثل الملائكة في الطهارة وأن الاستغفار لهم بمنزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب فلا يضر كونهم موعودين المغفرة والله تعالى لا يخلف الميعاد، وتعقب بأنه لا فائدة في ذكر الرحمة والمبالغة فيها إذا كان المغفور له مثل الملائكة عليهم السلام في الطهارة وأي حاجة إلى الاستغفار فضلا عن المبالغة، وأن ما قاله في السيئات لا يجوز فإن إسقاط عقوبة الكبيرة بعد التوبة واجب في مذهبه وما كان فعله واجبا كان طلبه بالدعاء عبثا قبيحا عند المعتزلة، وكذا إسقاط عقوبة الصغيرة فلا يحسن طلبه بالدعاء ولا يجوز أن يكون ذلك لزيادة منفعة لأن ذلك لا يسمى مغفرة، حكي هذا الطيبي عن الإمام ثم قال: فحينئذ يجب القول بأن المراد بالتوبة التوبة عن الشرك كما قال الواحدي فاغفر للذين تابوا عن الشرك واتبعوا سبيلك أي دينك الإسلام، فإن قلت: لو لم يكن التوبة من المعاصي مرادا لكان يكفي أن يقولوا: فاغفر للذين آمنوا ليطابق السابق، قلت: والله تعالى أعلم هو قريب من وضع المظهر موضع المضمر من غير اللفظ السابق وبيانه أن قوله تعالى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا الآية جاء مفصولا عن قوله تعالى:
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فالآية بيان لكيفية الاستغفار لا لحال المستغفر لهم، ووصفهم المميز يعرف بالذوق، وأما فائدة العدول عن المضمر وأنه لم يقل: فاغفر لهم بل قيل: للذين تابوا فهي أن الملائكة كما عللوا الغفران في حق مفيض الخيرات جل شأنه بالعلم الشامل والرحمة الواسعة عللوا قابل الفيض أيضا بالتوبة عن الشرك واتباع سبيل الإسلام، فإن قلت: هذه التوبة إنما تصح في حق من سبق شركه على إسلامه دون من ولد مسلما ودام عليه، قلت: الآية نازلة في زمن الصحابة وجلهم انتقلوا من الشرك إلى الإسلام ولو قيل: فاغفر لمن لم يشرك لخرجوا فغلب الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سنن جميع الأحكام انتهى، ولعمري إن للبحث فيه مجالا أي مجال.
وفي الكشف إنما اختار الزمخشري ما اختاره على ما قال الواحدي من أن التوبة عن الشرك لأن التوبة عند الإطلاق تنصرف إلى التوبة من الذنوب مطلقا على أن فيه تكرارا إذ ذاك لأن التائب عن الشرك هو المسلم، وقد فسر متبع السبيل في هذا القول به وإذا شرط حملة العرش ومن حوله عليهم السلام صلاح التابع وهو الذرية مع ما ورد من قوله تعالى: بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: ٢١] فما بال المتبوع، وأنت تعلم أن الصلاح من أخص أوصاف المؤمن وكفاك دعاء إبراهيم ويوسف عليهما السلام في الإلحاق بالصالحين شاهدا، وأما أنهم غير محتاجين إلى الدعاء فجوابه أنه لا يجب أن يكون للحاجة، ألا ترى إلى قولنا: اللهم صل على سيدنا محمد وما ورد فيه من الفضائل