ولام له في جميع هذه الأوجه لنسبة الدعوة إلى الفاعل على ما سمعت من المعنى، وجوز أن يكون لنسبتها إلى المفعول فإن الكفار كانوا يدعون آلهتهم في الآية دعاءهم إياها في معنى نفي الاستجابة منها لدعائهم إياها، فالمعنى أن ما تدعونني إليه من الأصنام ليس له استجابة دعوة لمن يدعوه أصلا أو ليس له دعوة مستجابة أي لا يدعي دعاء يستجيبه لداعيه. فالكلام إما على حذف المضاف أو على حذف الموصوف، وجوز التجوز فيه بالدعوة فعن استجابتها التي تترتب عليها، وهذا كما سمي الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم: كما تدين تدان وهو من باب المشاكلة عند بعض وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ أي مرجعنا إليه تعالى بالموت، وهذا عطف على أن ما تدعونني داخل في حكمه، وكذا قوله تعالى: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ وفسر ابن مسعود ومجاهد الْمُسْرِفِينَ هنا بالسفاكين للدماء بغير حلها فيكون المؤمن قد ختم تعريضا بما افتتح به تصريحا في قوله: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا.
وعن قتادة أنهم المشركون فإن الإشراك إسراف في الضلالة، وعن عكرمة أنهم الجبارون المتكبرون، وقيل: كل من غلب شره خيره فهو مسرف والمراد بأصحاب النار ملازموها، فإن أريد بالمسرفين ما يدخل فيه المؤمن العاصي أريد بالملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل، وإن أريد بهم ما يخص الكفرة فهي بمعنى الخلود.
فَسَتَذْكُرُونَ وقرئ فَسَتَذْكُرُونَ بالتشديد أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب ما أَقُولُ لَكُمْ من النصائح وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ليعصمني من كل سوء إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فيحرس من يلوذ به سبحانه منهم من المكاره، وهذا يحتمل أن يكون جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى: وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ [غافر: ٣٧] أو من قوله سبحانه: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ويحتمل أن يكون متاركة والتفريع في فَسَتَذْكُرُونَ على قوله الأخير: يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إلخ، وجعله من جعل ذلك معطوفا على يا قَوْمِ الثاني تفريعا على جملة الكلام، وما في ما مَكَرُوا مصدرية و (السيئات) الشدائد أي فوقاه الله تعالى شدائد مكرهم وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ أي بفرعون وقومه، فاستغنى بذكرهم عن ذكره ضرورة أنه أولى منهم بذلك، ويجوز أن يكون آل فرعون شاملا له عليه اللعنة بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: ١٣] أنه شامل لداود عليه السلام، وكانوا على ما حكى الأوزاعي ولا أعتقد صحته ألفي ألف وستمائة ألف.
وعن ابن عباس أن هذا المؤمن لما أظهر إيمانه قصد فرعون قتله فهرب إلى جبل فبعث في طلبه ألف رجل فمنهم من أدركه يصلي والسباع حوله فلما هموا ليأخذوه ذبت عنه فأكلتهم، ومنهم من مات في الجبل عطشا، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبا فاتهمه وقتله وصلبه، فالمراد بآل فرعون هؤلاء الألف الذين بعثهم إلى قتله أي فنزل بهم وأصابهم سُوءُ الْعَذابِ الغرق على الأول وأكل السباع والموت عطشا والقتل والصلب على ما روي عن ابن عباس والنار عليهما ولعله الأولى، وإضافة سُوءُ إلى الْعَذابِ لأمية أو من إضافة الصفة للموصوف، وقوله تعالى: النَّارُ مبتدأ وجملة قوله تعالى: يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا خبره والجملة تفسير لقوله تعالى: وَحاقَ إلخ.
وجوز أن تكون النَّارُ بدلا من سُوءُ الْعَذابِ ويُعْرَضُونَ في موضع الحال منها أو من الآل، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير سُوءُ الْعَذابِ كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، وجملة يُعْرَضُونَ تفسير على ما مر، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب الكشاف، ومنشأ التعظيم على ما في الكشف الإجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعا من التهويل. الأولى الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب. والثانية النار المعروض عليها غدوا وعشيا.