للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبران لذلكم فَتَبارَكَ اللَّهُ تعالى بذاته رَبُّ الْعالَمِينَ أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر إليه تعالى في ذاته ووجوده وسائر أحواله جميعها بحيث لو انقطع فيضه جل شأنه عنه آنا لعدم بالكلية هُوَ الْحَيُّ المنفرد بالحياة الذاتية الحقيقية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وأفعاله عزّ وجلّ فَادْعُوهُ فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجب ذلك به تعالى.

وتفسير الدعاء بالعبادة هو الذي يقتضيه قوله تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة من الشرك الخفي والجلي وأنه الأليق بالترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية والألوهية، وإنما ذكرت بعنوان الدعاء لأن اللائق هو العبادة على وجه التضرع والانكسار والخضوع الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي قائلين ذلك.

أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله تعالى: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ إلخ. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير نحو ذلك، وعلى هذا ف الْحَمْدُ لِلَّهِ إلخ من كلام المأمورين بالعبادة قبله، وجوز كونه من كلام الله تعالى على أنه إنشاء حمد ذاته سبحانه بذاته جل شأنه.

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي من الحجج والآيات أو من الآيات لكونها مؤيدة لأدلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية والأنفسية وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي بأن أنقاد له تعالى وأخلص له عزّ وجلّ ديني.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ في ضمن خلق آدم عليه السلام منه حسبما مر تحقيقه ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي من مني ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قطعة دم جامد ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أي أطفالا وهو اسم جنس صادق على القليل والكثير.

وفي المصباح، قال ابن الأنباري: يكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع ويجوز فيه المطابقة أيضا، وقيل: إنه أفراد بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ثم يخرج كل فرد منه طفلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ للام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وذلك المحذوف عطف على يُخْرِجُكُمْ وجوز أن يكون لِتَبْلُغُوا عطفا على علة مقدرة ليخرجكم كأنه قيل: ثم يخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم وكمالكم في القوة والعقل، وكذا الكلام في قوله تعالى: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ويجوز عطفه على لِتَبْلُغُوا.

وقرأ ابن كثير وابن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي «شيوخا» بكسر الشين. وقرئ «شيخا» كقوله تعالى:

طِفْلًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضا وَلِتَبْلُغُوا متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى هو يوم القيامة بفعل ذلك الخلق من تراب وما بعده من الأطوار، وهو عطف على خَلَقَكُمْ والمراد من يوم القيامة ما فيه من الجزاء فإن الخلق ما خلقوا إلا ليعبدوا ثم يبلغوا الجزاء، وتفسير الأجل المسمى بذلك مروي عن الحسن، وقال بعض: هو يوم الموت. وتعقب بأن وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله فالأولى تفسيره بما تقدم، وظاهر صنيع الزمخشري ترجيح هذا على ما بين في الكشف وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ولكي تعقلوا ما في ذلك التنقل في الأطوار من فنون الحكم والعبر.

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال: أي ولعلكم تعقلون عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم هُوَ الَّذِي يُحْيِي الأموات وَيُمِيتُ الأحياء أو الذي يفعل الإحياء والإماتة فَإِذا قَضى أَمْراً أراد بروز أمر من الأمور إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>