بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم أن جعل اسما للسورة أو القرآن فهو إما خبر لمحذوف أو مبتدأ خبره تَنْزِيلٌ على المبالغة أو التأويل المشهور، وهو على الأول خبر بعد خبر، وخبر مبتدأ محذوف أن جعل حم مسرودا على نمط التعديد عند الفراء، وقوله تعالى: مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من تتمته مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أو خبر آخر للمبتدأ المحذوف أو تنزيل مبتدأ لتخصصه بما بعده خبره كِتابٌ وحكي ذلك عن الزجاج والحوفي، وهو على الأوجه الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف، وجملة فُصِّلَتْ آياتُهُ على جميع الأوجه في موضع الصفة لكتاب، وإضافة التنزيل إلى الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من بين أسمائه تعالى للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبىء عنه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] وتفصيل آياته تمييزها لفظا بفواصلها ومقاطعها ومبادئ السور وخواتمها، ومعنى بكونها وعدا ووعيدا وقصصا وأحكاما إلى غير ذلك بل من أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة عبارة وإشارة مثل ما في القرآن. وعن السدي فُصِّلَتْ آياتُهُ أي بينت ففصل بين حرامه وحلاله وزجره وأمره ووعده ووعيده، وقال الحسن: فصلت بالوعد والوعيد، وقال سفيان: بالثواب والعقاب، وما ذكرنا أولا أعم ولعل ما ذكروه من باب التمثيل لا الحصر، وقيل: المراد فصلت آياته في التنزيل أي لم تنزل جملة واحدة وليس بذاك. وقرىء «فصلّت» بفتح الفاء والصاد مخففة أي فرقت بين الحق والباطل، وقال ابن زيد: بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن خالفه على أن فصل متعد أو فصل متعد أو فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني على أن فصل لازم بمعنى انفصل كما في قوله تعالى: فَصَلَتِ الْعِيرُ [يوسف: ٩٤] .
وقرىء «فصلت» بضم الفاء وكسر الصاد مخففة على أنه مبني للمفعول والمعنى على ما مر قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على المدح بتقدير أعني أو أمدح أو نحوه أو على الحال فقيل: من كِتابٌ لتخصصه بالصفة، وقيل: من آياتُهُ وجوز في هذه الحال أن تكون مؤكدة لنفسها وأن تكون موطئة للحال بعدها، وقيل: نصب على المصدر أي يقرؤوه قرآنا، وقال الأخفش: هو مفعول ثان لفصلت، وهو كما ترى إن لم تكن أخفش، وأيا ما كان ففي قُرْآناً عَرَبِيًّا امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي معانيه لكونه على لسانهم على أن المفعول محذوف أو لأهل العلم والنظر على أن الفعل منزل منزلة اللازم ولام لِقَوْمٍ تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به والجار والمجرور إما في موضع صفة أخرى- لقرآنا- أو صلة- لتنزيل- أو- لفصلت- قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب لئلا يفرق بين الصلات والصفات، ولعله أراد لئلا يلزم التفريق بين الصفة وهي قوله تعالى: بَشِيراً وَنَذِيراً وموصوفها وهو قُرْآناً بناء على أنه صفة له بالصلة وهي لِقَوْمٍ على تقدير تعلقه- بتنزيل- أو- بفصلت- وبين الصلة- وموصولها بالصفة أي تَنْزِيلٌ أو فُصِّلَتْ ولِقَوْمٍ والجمع للمبالغة على حد قولك لمن يفرق بين آخرين:
لا تفعل فإن التفريق بين الأخوان مذموم أو أراد لئلا يفرق بين الصلتين في الحكم مع عدم الموجب للتفريق وهو أن يتصل مِنَ الرَّحْمنِ بموصوله ولا يتصل لِقَوْمٍ وكذلك بين الصفتين وهو عَرَبِيًّا بموصوفه ولا يتصل بَشِيراً والجمع لذلك أيضا. واختار أبو حيان كون الجار والمجرور صلة فُصِّلَتْ وقال: يبعد تعلقه- بتنزيل- لكونه وصف قبل أخذ متعلقه إن كان مِنَ الرَّحْمنِ في موضع الصفة أو أبدل منه كِتابٌ أو كان خبرا- لتنزيل