للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى المسخّرة على وفق إرادته تعالى مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ الضمير قيل للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بالشمس والقمر لكن نظم معهما الليل والنهار إشعارا بأنهما من عداد ما لا يعلم ولا يختار ضرورة أن الليل والنهار كذلك ولو ثني الضمير لم يكن فيه إشعار بذلك.

وحكم جماعة ما لا يعقل- على ما قال الزمخشري- حكم الأنثى فيقال: الأقلام بريتها وبريتهن فلا يتوهم أن الضمير لما كان لليل والنهار والشمس والقمر كان المناسب تغليب الذكور، والجواب بأنه لما كن من الآيات عدت كالإناث تكلف عنه غنى بالقاعدة المذكورة. نعم قال أبو حيان: ينبغي أن يفرق بين جمع القلة من ذلك وجمع الكثرة فإن الأفصح والأفصح في الأول أن يكون بضمير الواحد تقول الأجذاع انكسرت على الأفصح في الثاني أن يكون بضمير الإناث تقول الجذوع انكسرن وما في الآية ليس بجمع قلة بلفظ واحد لكنه منزل منزلة المعبر عنه به، وقيل:

الضمير للشمس والقمر والاثنان جمع وجمع ما لا يعقل يؤنث، ومن حيث يقال شموس وأقمار لاختلافهما بالأيام والليالي ساغ أن يعود الضمير إليهما جمعا، وقيل: الضمير للآيات المتقدم ذكرها في قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فإن السجود أقصى مراتب العبادة فلا بد من تخصيصه به عزّ وجلّ، وكان علي كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود يسجدان عند تَعْبُدُونَ ونسب القول بأنه موضع السجدة للشافعي، وسجد عند لا يَسْأَمُونَ ابن عباس وابن عمر وأبو وائل وبكر بن عبد الله، وكذلك روي عن ابن وهب ومسروق والسلمي والنخعي وأبي صالح وابن وثاب والحسن وابن سيرين وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم، ونقله في التحرير عن الشافعي رضي الله تعالى عنه وفي الكشف أصح الوجهين عند أصحابنا- يعني الشافعية- أن موضع السجدة لا يَسْأَمُونَ كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة، ووجهه أنها تمام المعنى على أسلوب اسجد فإن الاستكبار عند مذموم، وعلله بعضهم بالاحتياط لأنها إن كانت عند تَعْبُدُونَ جاز التأخير لقصر الفصل، وإن كانت عند يَسْأَمُونَ لم يجز تعجيلها فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا تعاظموا عن اجتناب ما نهوا عنه من السجود لتلك المخلوقات وامتثال ما أمروا به من السجود لخالقهن فلا يعبأ بهم أو فلا يخل ذلك بعظمة ربك فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ أي في حضرة قدسه عزّ وجلّ من الملائكة عليهم السلام الذين هم خير منهم يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي دائما وإن لم يكن عندهم ليل ونهار وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ لا يملون ذلك، وجواب الشرط في الحقيقة ما أشرنا إليه أو نحوه وما ذكر قائم مقامه، ويجوز أن يكون الكلام على معنى الإخبار كما قيل في نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس أنه على معنى فأخبرك إني قد أكرمتك أمس.

وقرئ «لا يسأمون» بكسر الياء، والظاهر أن الآية في أناس من الكفرة كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله تعالى فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله تعالى خالصا. واستدل الشيخ أبو إسحاق في المهذب بالآية على صلاتي الكسوف والخسوف قال: لأنه لا صلاة تتعلق بالشمس والقمر غيرهما وأخذ من ذلك تفضيلهما على صلاة الاستسقاء لكونهما في القرآن بخلافها وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى يا من تصح منه الرؤية: الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ أي المطر اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ أي تحركت بالنبات وانتفخت لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات، ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية شبه حال جدوبة الأرض وخلوها عن النبات ثم إحياء الله تعالى إياها بالمطر وانقلابها من الجدوبة إلى الخصب وإنبات كل زوج بهيج بحال شخص كئيب كاسف البال رث الهيئة لا يؤبه به ثم إذا أصابه شيء من متاع الدنيا وزينتها تكلف بأنواع الزينة والزخارف فيختال في مشيه زهوا فيهتز بالأعطاف خيلاء وكبرا فحذف المشبه واستعمل الخشوع

<<  <  ج: ص:  >  >>