فائدتان: إحداهما تحقيق إنجاز ذلك الموعد كأنه مشاهد بذكر الدليل القاطع على الوقوع. والثانية الدلالة على أن هذه الإراءة الآن وهم في ضعف وقلة قد تمت بالنسبة إلى إثبات حقية القرآن لأن من علم أنه تعالى على كل شيء شهيد وعلم أن القرآن معجز من عنده علم أن جميع ما فيه حق وصدق فعلم أن تلك النصرة كائنة.
والحاصل أنه كما يستدل من تلك الآيات على حقية القرآن وحقية أهله تارة يستدل من إعجاز القرآن على حقية تلك الآيات وقوعا وحقية أهل الإسلام أخرى فأدى المعنيان في عبارة جامعة تؤدي الغرضين على وجه لا يمكن أتم منه انتهى. ولا يخفى أن في الآية عليه نوعا من الالغاز، وقيل: أي ألم يغنهم عن إراءة الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن ولم يكفهم في ذلك أنه تعالى شهيد على جميع الأشياء وقد أخبر بأنه من عنده عزّ وجلّ، وهو كما ترى، وقيل: المعنى ولم يكفك أنه تعالى على كل شيء محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة. وتعقب بأنه مع إيهامه ما لا يليق بجلالة منصبه صلّى الله عليه وسلّم من التردد فيما ذكر من تحقق الموعود لا يلائم قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أي في شك عظيم من ذلك بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تبدد أجزائهم وتفرق أعضائهم فلا يلتفتون إلى أدلة ما ينفعهم عند لقائه تعالى كحقية القرآن لأنه صريح في أن عدم الكفاية معتبر بالنسبة إليهم.
وقوله تعالى أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ لبيان ما يترتب على تلك المرية بناء على أن المعنى أنه تعالى عالم بجميع الأشياء على أكمل وجه فلا يخفى عليه جلّ وعلا خافية منهم فيجازيهم جل جلاله على كفرهم ومريتهم لا محالة.
وقيل: دفع لمريتهم وشكهم في البعث وإعادة ما تفرق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييزه أي إنه تعالى عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها فهو سبحانه يعلم الأجزاء ويقدر على البعث.
هذا وما ذكر في تفسير سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ في معنى ما روي عن الحسن ومجاهد والسدي وأبي المنهال وجماعة قالوا: إن قوله سبحانه: سَنُرِيهِمْ إلخ وعيد للكفار بما يفتحه الله تعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأقطار حول مكة وفي غير ذلك من الأرض كخيبر وأراد بقوله تعالى: فِي أَنْفُسِهِمْ فتح مكة، وقال الضحاك وقتادة: في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديما وفي أنفسهم ما كان يوم بدر فإن في ذلك دلالة على نصرة من جاء بالحق وكذب من الأنبياء عليهم السلام فيدل على حقية النبي صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به من القرآن. وأورد عليه أن سَنُرِيهِمْ يأبى كون ما في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة لكونه مرئيا لهم قبل. وقال عطاء وابن زيد: إن معنى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ أي أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر وسائر الكواكب والرياح والجبال الشامخة وغير ذلك وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وضعف ذلك الإمام بنحو ما سمعت آنفا. وأجيب بأن القوم وإن كانوا قد رأوا تلك الآيات إلا أن العجائب التي أودعها الله تعالى فيها مما لا نهاية لها فهو سبحانه يطلعهم عليها زمانا قريبا حالا فحالا فإن كل أحد يشاهد بنية الإنسان إلا أن العجائب المودعة في تركيبها لا تحصى وأكثر الناس غافلون عنها فمن حمل على التفكير فيها بالقوارع التنزيلية والتنبيهات الإلهية كلما ازداد تفكرا ازداد وقوفا فصح معنى الاستقبال.
واختار ذلك صاحب الكشف تبعا لغيره وبين وجه مناسبة الآيات لما قبلها عليه، وجعل ضمير أَنَّهُ الْحَقُّ لله عزّ وجلّ فقال: إن قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إشعارا بأن كونه من عنده سبحانه ينافي الكفر به وإنهم مسلمون ذلك لكن يطعنون في كونه من عنده عزّ وجلّ ولذا جعل نحو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: ٢٤] في جواب قولهم ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ [النحل: ٢٤] أنه إعراض عن كونه منزلا وجواب بأنه أساطير لا منزل فأريد أن يبين