إلى قوله تعالى: مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: ٣٩. ٤١] حكاه ابن الفرس، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على استثناء غير ذلك على بعض الروايات، وجوز أن يكون الإطلاق باعتبار الأغلب وعدد آياتها ثلاث وخمسون في الكوفي وخمسون فيما عداه والخلاف في حم عسق وقوله تعالى: كَالْأَعْلامِ [الشورى: ٣٢] كما فصله الداني وغيره، ومناسبة أولها لآخر السورة قبلها اشتمال كل على ذكر القرآن وذب طعن الكفرة فيه وتسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم عسق لعلهما اسمان للسورة وأيد بعدهما آيتين والفصل بينهما في الخط وبورود تسميتها عسق من غير ذكر حم، وقيل: هما اسم واحد وآية واحدة وحقه أن يرسم متصلا كما في كهيعص [مريم: ١] لكنه فصل ليكون مفتتح السورة على طرز مفتتح أخواتها حيث رسم في كل مستقلا وعلى الأول هما خبران لمبتدأ محذوف. وقيل: حم مبتدأ وعسق خبره وعلى الثاني الكل خبر واحد، وقيل: إن حم عسق إشارة إلى هلاك مدينتين تبنيان على نهر من أنهار المشرق يشق النهر بينهما يجتمع فيهما كل جبار عنيد يبعث الله تعالى على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها ويخسف بالأخرى في الليلة الأخرى، وروي ذلك عن حذيفة، وقيل: إن حم اسم من أسماء الله تعالى و «عين» إشارة إلى عذاب يوم بدر و «سنين» إشارة إلى قوله تعالى: سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: ٢٢٧] و «قاف» إلى قارعة من السماء تصيب الناس، وروي ذلك بسند ضعيف عن أبي ذر، والذي يغلب على الظن عدم ثبوت شيء من الروايتين.
وفي البحر ذكر المفسرون في حم عسق أقوالا مضطربة لا يصلح منها شيء ضربنا عن ذكرها صفحا، وما ذكرناه أولا قد اختاره غير واحد، ومنهم من اختار أنها مقطعات جيء بها للايقاظ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود «حم سق» بلا عين.
وقوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعف الكتب المنزلة على سائر الرسل المتقدمين في الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق أو أن إيحاءها بعد تنويهها بذكر اسمها والتنبيه على فخامة شأنها، والكاف مفعول «يوحي» على الأول أن يوحي مثل ما في هذه السورة من المعاني أو نعت لمصدر مؤكد على الثاني أي يوحي إيحاء مثل إيحائها إليك وإلى الرسل أي بواسطة الملك، وهي في الوجهين اسم كما هو مذهب الأخفش وإن شئت فاعتبرها حرفا واعتبر الجار والمجرور مفعولا أو متعلقا بمحذوف وقع نعتا، وقول العلامة الثاني في التلويح إن جار الله لا يجوز الابتداء بالفعل ويقدر المبتدأ في جميع ما يقع فيه الفعل ابتداء كلام غير مسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل: إنه لم يظهر له وجه.
وجوز أبو البقاء كون كَذلِكَ مبتدأ ويُوحِي الخبر والعائد محذوف أي مثل ذلك يوحيه إليك إلخ وحذف مثله شائع في الفصيح، نعم هذا الوجه خلاف الظاهر، والإشارة كما أشرنا إليه إلى ما في السورة أو إلى إيحائها، والدلالة على البعد لبعد منزلة المشار إليه في الفضل، وصيغة المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمراره في الأزمنة الماضية وإن إيحاء مثله عادته عزّ وجلّ، وقيل: إنها على التغلب فإن الوحي إلى من مضى مضى إليه عليه الصلاة والسلام بعضه ماض وبعضه مستقبل، وجوز أن تكون على ظاهرها ويضمر عامل يتعلق به إِلَى الَّذِينَ أي وأوحى إلى الذين وهو كما ترى، وفي جعل مضمون السورة أو إيحائها مشبها به من تفخيمها ما لا يخفى.
وقرأ مجاهد وابن كثير وعياش ومحبوب كلاهما عن أبي عمرو «يوحى» مبنيا للمفعول على أن كَذلِكَ مبتدأ ويُوحِي خبره المسند إلى ضميره أو مصدر ويُوحِي مسند إلى إِلَيْكَ واللَّهُ مرتفع عند السكاكي على الفاعلية ليوحي الواقع في جواب من يوحي؟ نحو ما قرروه في قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ