القيامة لأنه يجمع فيه الخلائق قال الله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن: ٩] وقيل: تجمع فيه الأرواح والأشباح، وقيل: الأعمال والعمال، والإنذار يتعدى إلى مفعولين وقد يستعمل ثانيهما بالباء وقد حذف هاهنا ثاني مفعول الأول وهو يَوْمَ الْجَمْعِ والمراد به عذابه وأول مفعول الثاني وهو أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها فقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني ومن الثاني ما أثبت في الأول وذلك من الاحتباك. وقال جار الله: الأول عام في الإنذار بأمور الدنيا والآخرة ثم خص بقوله تعالى: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة زيادة في الإنذار
وبيانا لعظمة أهواله لأن الإفراد بالذكر يدل عليه وكذلك إيقاع الإنذار عليه ثانيا والظاهر عليه أن حذف المفعول الثاني من الأول لإفادة العموم وإن كان حذف الأول من الثاني لذلك أيضا وتنذر كل أحد يوم الجمع، وقيل: يوم الجمع ظرف فيكون المفعولان محذوفين وقرىء «لينذر» بياء الغيبة على أن الفاعل ضمير القرآن لعدم حسن الالتفات هاهنا لا رَيْبَ فِيهِ اعتراض في آخر الكلام مقرر لما قبله ويحتمل الحالية من يَوْمَ الْجَمْعِ أو الاستئناف فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي بعد جمعهم في الموقف فإنهم يجمعون فيه أولا ثم يفرقون بعد الحساب، وَفَرِيقٌ مبتدأ وفِي الْجَنَّةِ صفته والخبر محذوف وكذا فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ أي منهم فريق كائن في الجنة ومنهم فريق كائن في النار، وضمير منهم للمجموعين لدلالة الجمع عليه، وجملة المبتدأ والخبر استئناف في جواب سؤال تقديره ثم كيف يكون حالهم؟ أو حال ولا ركاكة فيه واشتراط الواو فيه غير مسلم، وجوز كون فَرِيقٌ فاعلا للظرف المقدر، وفيه ضعف، وكونه مبتدأ والظرف المقدر في موضع الصفة له وفي الجنة خبره أي فَرِيقٌ كائن منهم مستقر في الجنة، وكونه مبتدأ خبره ما بعده من غير أن يكون هناك ظرف مقدر واقع صفة، وساغ الابتداء بالنكرة لأنها في سياق التفصيل والتقسيم كما في قوله: فثوب لبست وثوب أجر. وكونه خبره مبتدأ محذوف أي المجموعون فريق إلخ.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «فريقا وفريقا» بنصبهما فقيل: هو على الحال من مقدر أي افترقوا أي المجموعون فريقا وفريقا أو من ضمير جمعهم المقدر لأن أل قامت مقامه أي وتنذر يوم جمعهم متفرقين وهو من مجاز المشارفة أي مشارفين للتفرق أو الحال مقدرة فلا يلزم كون افتراقهم في حال اجتماعهم أو يقال إن اجتماعهم في زمان واحد لا ينافي افتراق أمكنتهم كما تقول: صلوا في وقت واحد في مساجد متفرقة فالمراد متفرقين في داري الثواب والعقاب، وإذا أريد بالجمع جمع الأرواح بالأشباح أو الأعمال بالعمال لا يحتاج إلى توفيق أصلا، وجوز كون النصب بتنذر المقدر أو المذكور والمعنى تنذر فريقا من أهل الجنة وفريقا من أهل السعير لأن الإنذار ليس في الجنة والسعير ولا يخفى تكلفه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ جعلهم أمة واحدة لَجَعَلَهُمْ أي في الدنيا أُمَّةً واحِدَةً مهتدين أو ضالين وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس في قوله: على دين واحد، فمعنى قوله تعالى: وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أنه تعالى يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ويدخل من يشاء في عذابه أن يدخله فيه ولا ريب في أن مشيئته تعالى لكل من الإدخالين تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول ما أدخله ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب اختلاف حال الداخلين فيهما قطعا فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة بل جعلهم فريقين وإنما قيل وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ وكان الظاهر أن يقال ويدخل من يشاء في عذابه ونقمته للإيذان بأن الإدخال في العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم لا من جهته عزّ وجلّ كما في الإدخال في الرحمة، واختار الزمخشري كون المراد أمة واحدة مؤمنين وهو ما قاله مقاتل على دين الإسلام كما في قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الأنعام:
٣٥] وقوله سبحانه: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها [السجدة: ١٣] والمعنى ولو شاء الله تعالى مشيئة قدرة لقسرهم على الإيمان ولكنه سبحانه شاء مشيئة حكمة وكلفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في