ومن لازم الاشتراك في الصفة النفسية أمران: أحدهما الاشتراك فيما يجب ويجوز ويمتنع. وثانيهما أن يسد كل منهما مسد الآخر والمتماثلان وإن اشتركا في الصفات النفسية لكن لا بد من اختلافهما بجهة أخرى ليتحقق التعدد والتمايز فيصح التماثل، ونسب إلى الأشعري أنه يشترط في التماثل التساوي من كل وجه.
واعترض. بأنه لا تعدد حينئذ فلا تماثل، وبأن أهل اللغة مطبقون على صحة قولنا: زيد مثل عمرو في الفقه إذا كان يساويه فيه ويسد مسده وإن اختلف في كثير من الأوصاف،
وفي الحديث «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل»
وأريد به الاستواء في الكيل دون الوزن وعدد الحبات وأوصافها، ويمكن أن يجلب بأن مراده التساوي في الوجه الذي به التماثل حتى أن زيدا وعمرا لو اشتركا في الفقه وكان بينهما مساواة فيه بحيث ينوب أحدهما مناب الآخر صح القول بأنهما مثلان فيه وإلا فلا يخالف مذهب الماتريدية، وفيه أيضا أنه عزّ وجلّ ليس له سبحانه مماثل في ذاته وصفاته فلا يسد مسد ذاته تعالى ذات ولا مسد صفته جلت صفته صفة، والمراد بالصفة الصفة الحقيقية الوجودية، ومن هنا تعلم ما في قول الإمام لا يصح أن يكون المعنى ليس كمثله تعالى في الصفات شيء لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين كما أن الله سبحانه يوصف بذلك فإن معنى ذلك أنه تعالى ليس مثل صفته سبحانه صفة، ومن المعلوم البين أن علم العباد وقدرتهم ليسا مثل علم الله عزّ وجلّ وقدرته جل وعلا أي ليسا سادّين مسدهما. وأما كونه تعالى مذكورا ونحوه فهو ليس من الصفات المعتبرة القائمة بذاته تعالى كما لا يخفى، وزعم جهم بن صفوان أن المقصود من هذه الآية بيان أنه تعالى ليس مسمى باسم الشيء لأن كل شيء فإنه يكون مثلا لمثل نفسه فقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ معناه ليس مثل مثله شيء وذلك يقتضي أن لا يكون هو سبحانه مسمى باسم الشيء فلم يجعل المثل كناية عن الذات على ما سمعت ولا حكم بزيادته ولا بزيادة الكاف ومع هذا وإغماض العين عما في كلامه لا يتم له مقصود إذ لنا أن نجعل ليس مثل مثله شيء نفيا للمثل على سبيل الكناية أيضا لكن بوجه آخر وهو أنه نفي للشيء بنفي لازمه لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم كما يقال: ليس لأخي زيد أخ فأخو زيد ملزوم والأخ لازمه لا بد لأخي زيد من أخ هو زيد فنفيت هذا اللازم والمراد نفي ملزومه أي ليس لزيد أخ إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ هو زيد فكذا نفيت أن يكون لمثل الله تعالى مثل، والمراد نفي مثله سبحانه وتعالى إذ لو كان له مثل لكان هو مثل إذ التقدير أنه موجود، ومغايرته لما تقدم أن مبناه إثبات اللزوم بين وجود المثل ووجود مثل ليكون نفي اللازم كناية عن نفي الملزوم من غير ملاحظة والتفات إلى أن حكم الأمثال واحد وأنه يجري في النفي دون الإثبات فإن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم دون العكس بخلاف ما تقدم فإن مبناه ابن حكم المتماثلين واحد وإلا لم يكونا متماثلين ولا يحتاج إلى إثبات اللزوم بين وجود المثل ومثل المثل وإنه يجري في النفي والإثبات كما سمعت من الأمثلة وليس ذاك من المذهب الكلامي في شيء، أما أولا فلأنه إيراد الحجة وليس في الآية اشعار بها فضلا عن الإيراد، وأما ثانيا فلأنه حينئذ تكون الحجة قياسا استثنائيا استثني فيه نقيض التالي هكذا لو كان له سبحانه مثل لكان هو جل شأنه مثل مثله لكنه ليس مثلا لمثله فلا بد من بيان بطلان التالي حتى تتم الحجة إذ ليس بينا بنفسه بل وجود المثل ووجود مثل المثل في مرتبة واحدة في العلم والجهل لا يجوز جعل أحدهما دليلا على الآخر، لكن قيل: إن المفهوم من ليس مثل مثله شيء على ذلك التقدير نفي أن يكون مثل لمثله سواه تعالى بقرينة الإضافة كما أن المفهوم من قول المتكلم: إن دخل داري أحد فكذا غير المتكلم، وأيضا لا نسلم أنه لو وجد له سبحانه مثل لكان هو جلّ وعلا مثل مثله لأن وجود مثله سبحانه محال والمحال جاز أن يستلزم المحال.
وأجيب عن الأول أن اسم ليس شَيْءٌ وهو نكرة في سياق النفي فتعم الآية نفي شيء يكون مثلا لمثله، ولا