ووضع المظهر موضع المضمر أي إنه تعالى خبير بأحوال عباده المكرمين بصير بما يصلحهم وما يرديهم، وإليه ينظر ما
ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم إذا أحب الله تعالى عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء
، ويشد من عضده قول خباب بن الأرت نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت وَلَوْ بَسَطَ الآية وقول عمرو بن حريث طلب قوم من أهل الصفة من الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يغنيهم الله تعالى ويبسط لهم الأموال والأرزاق فنزلت وعليه تفسير محيي السنة انتهى. ولا يخفى أن الأنسب بحال المكرمين المصطفين من عباده تعالى أن لا يبطرهم الغنى لصفاء بواطنهم وقوة توجههم إلى حظائر القدس ومزيد تعلق قلوبهم بمحبوبهم ووقوفهم على حقائق الأشياء وكمال علمهم بمنتهى زخارف الحياة الدنيا، وأبناء الدنيا لو فكروا في ذلك حق التفكر لهان أمرهم وقل شغفهم كما قيل:
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه
فلعل الأولى ما تقدم أو يقال إن هذا في بعض العباد المؤمنين فتأمل وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منه فلا يقال غيث لكل مطر، وقرأ الجمهور «ينزل» مخففا.
مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا بكسر النون وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي منافع الغيث وآثاره في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا، وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس لأنه إذا دام المطر سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ذكره المهدوي وليس بشيء، ومن البعيد جدا ما قاله السدي من أن الرحمة هنا الغيث نفسه عدد النعمة نفسها بلفظين، وأيا ما كان فضمير رَحْمَتَهُ لله عز وجل، وجوز على الأول كونه للغيث.
وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بالإحسان ونشر الرحمة الْحَمِيدُ المستحق للحمد على ذلك لا غيره سبحانه.
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ على ما هما عليه من تعاجيب الصنائع فإنها بذاتها وصفاتها تدل على شؤونه تعالى العظيمة، ومن له أدنى إنصاف وشعور يجزم باستحالة صدورها من الطبيعة العديمة الشعور.
وَما بَثَّ فِيهِما عطف على السَّماواتِ أي ومن آياته خلق ما بث أو عطف على خَلْقُ أي ومن آياته ما بث. وما تحتمل الموصولية والمصدرية والموصولية أظهر ولا حاجة عليه إلى تقدير مضاف أي خلق الذي بث خلافا لأبي حيان مِنْ دابَّةٍ أي حيوان له دبيب وحركة، وظاهر الآية وجود ذلك في السموات وفي الأرض وبه قال مجاهد وفسر الدابة بالناس والملائكة، ويجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، واعترض ذلك ابن المنير بأن إطلاق الدابة على الاناسي بعيد في عرف اللغة فكيف بالملائكة وادعى أن الأصح كون الدواب في الأرض لا غير وما في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة، فالآية على أسلوب يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن: ٢٢] وذلك لقوله تعالى في [البقرة: ١٦٤] وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ فإنه يدل على اختصاص الدواب بالأرض لأن مقام الإطناب يقتضي ذكره لو كان لا للعمل بمفهوم اللقب الذي لا يقول به الجمهور والجواب أن التي في البقرة لما كانت كلاما مع الغبي والفهم والمسترشد والمعاند جيء فيه بما هو معروف عند الكل وهو بث الدواب في الأرض وأما هاهنا فجيء به مدمجا مختصرا لما تكرر في القرآن ولا سيما في هذه السورة من كمال قدرته على كل ممكن فقيل: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مؤثرا على لفظ الخلق ليدل على التكثير الدال على كمال القدرة وبين بقوله تعالى: مِنْ دابَّةٍ تعميما وتغليبا لغير ذوي العلم في السماوي والأرضي تحقيقا للمخلوقية فقد ثبت في صحاح الأحاديث ما يدل على وجود الدواب في السماء من مراكب أهل الجنة وغيرها، وكذلك ما يدل على وجود ملائكة كالأوعال بل لا يبعد أن يكون في كل سماء حيوانات ومخلوقات على صور شتى وأحوال مختلفة لا نعلمها