في القرآن للمؤمنين، ويقوي أمر الرجاء على ما قيل: أن معنى ما أَنْتُمْ إلخ ما أنتم بمعجزين الله في دفع مصائبكم أي إنه سبحانه قادر على ذلك وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ أي السفن الجواري أي الجارية فهي صفة لموصوف محذوف لقرينة قوله تعالى: فِي الْبَحْرِ وبذلك حسن الحذف وإلا فهي صفة غير مختصة والقياس فيها أن لا يحذف الموصوف وتقوم مقامه، وجوز أبو حيان أن يقال: إنها صفة غالبة كالأبطح وهي يجوز فيها أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف، وفِي الْبَحْرِ متعلق بالجواري وقوله تعالى: كَالْأَعْلامِ في موضع الحال.
وجوز أن يكون الأول أيضا كذلك، والأعلام جمع علم وهو الجبل وأصله الأثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق وعلم الجيش وسمي الجبل علما لذلك ولا اختصاص له بالجبل الذي عليه النار للاهتداء بل إذا أريد ذلك قيد كما في قول الخنساء:
وإن صخرا لتأتّم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
وفيه مبالغة لطيفة،
وحكي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لما سمعه: قاتلها الله تعالى ما رضيت بتشبيهه بالجبل حتى جعلت على رأسه نارا
وقرأ نافع وأبو عمرو «الجواري» بياء في الوصل دون الوقف.
وقرأ ابن كثير بها فيهما والباقون بالحذف فيهما والإثبات على الأصل والحذف للتخفيف، وعلى كل فالإعراب تقديري وسمع من بعض العرب الاعراب على الراء إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تجري بها ويعدم سبب تموجها وهو تكاثف الهواء الذي كان في المحل الذي جرت إليه وتراكم بعضه على بعض وسبب ذلك التكاثف إما انخفاض درجة حرارة الهواء فيقل تمدده ويتكاثف ويترك أكثر المحل الذي كان مشغولا به خليا وإما تجمع فجائي يحصل في الأبخرة المنتشرة في الهواء فيخلو محلها، وهذا على ما قيل أقوى الأسباب فإذا وجد الهواء أمامه فراغا بسبب ذلك جرى بقوة ليشغله فتحدث الريح وتستمر حتى تملأ المحل وما ذكر في سبب التموج هو الذي ذكره فلاسفة العصر. وأما المتقدمون فذكروا أشياء أخرى، ولعل هناك أسبابا غير ذلك كله لا يعلمها إلا الله عزّ وجلّ، والقول بالأسباب تحريكا وإسكانا لا ينافي إسناد الحوادث إلى الفاعل المختار جلّ جلاله وعم نواله.
وقرأ نافع «الرياح» جمعا فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ فيصرن ثوابت على ظهر البحر أي غير جاريات لا غير متحركات أصلا، وفسر بعضهم (يظللن) بيبقين فيكون رَواكِدَ حالا والأول أولى.
وقرأ قتادة «فيظللن» بكسر اللام والقياس الفتح لأن الماضي مكسور العين فالكسر في المضارع شاذ، وقال الزمخشري: هو من ظل يظل ويظل بالفتح والكسر نحو ضل بالضاد يضل ويضل، وتعقبه أبو حيان بأنه ليس كما ذكر لأن يضل بالفتح من ضللت بالكسر ويضل بالكسر من ضللت بالفتح وكلاهما مقيس إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر من السفن المسخرة في البحر تحت أمره سبحانه وحسب مشيئته تعالى: لَآياتٍ عظيمة كثيرة على عظمة شؤونه عزّ وجلّ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ لكل من حبس نفسه عن التوجه إلى ما لا ينبغي ووكل همته بالنظر في آيات الله تعالى والتفكر في آلائه سبحانه فالصبر هنا حبس مخصوص والتفكر في نعمه تعالى شكر.
ويجوز أن يكون قد كنى بهذين الوصفين عن المؤمن الكامل لأن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر.
وذكر الإمام أن المؤمن لا يخلو من أن يكون في السراء والضراء فإن كان في الضراء كان من الصابرين وإن كان في السراء كان من الشاكرين أَوْ يُوبِقْهُنَّ عطف على يُسْكِنِ أي أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة، والمراد على ما قال غير واحد إهلاك أهلها إما بتقدير مضاف أو بالتجوز بإطلاق المحل على حاله أو بطريق