نفسه إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فالآية واردة إرشادا للمظلوم إلى مكارم الأخلاق وإيثار طريق المرسلين.
وقال: إن قوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ إلخ خطاب للولاة والحكام وتعليم فعل ما ينبغي فعله بدليل قوله سبحانه: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ حيث أعاد السبيل المنكر بالتعريف وعلق به يَظْلِمُونَ النَّاسَ وفسره بقوله تعالى: عَذابٌ أَلِيمٌ وكذا قوله سبحانه: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إلخ تعليم لهم أيضا طريق الحكم يعني أن صاحب الحق إذا عدل من الأولى وانتصر من الظالم فلا سبيل لكم عليه لما قد رخص له ذلك وإذا اختار الأفضل فلا سبيل لكم على الظالم لأن عفو المظلوم من عزم الأمور فتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان انتهى، ولا يخفى ما فيه.
وفي الكشف أن جعل ما ذكر خطابا للولاة والحاكم يوجب التعقيد في الكلام فالمعول عليه ما قدمناه، وقد جاءت أخبار كثيرة في فضل العافين عمن ظلمهم،
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام يا رب من أعز عبادك عندك؟ قال: من إذا قدر غفر»
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وقف العباد للحساب نادى مناد ليقم من أجره على الله تعالى فليدخل الجنة ثم نادى الثانية ليقم من أجره على الله تعالى قالوا: ومن ذا الذي أجره على الله تعالى؟ قال: العافون عن الناس فقام كذا وكذا ألفا فدخلوا الجنة بغير حساب» .
وأخرج أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أن رجلا شتم أبا بكر رضي الله تعالى عنه والنبي صلّى الله عليه وسلّم جالس فجعل عليه الصلاة والسلام يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله: فغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم وقام فلحقه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال: إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله: وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث من الحق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله تعالى ألا أعز الله عز وجل بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله تعالى بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله تعالى بها قلة»
واستشكل هذا الخبر بأنه يشعر بعتب أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو نوع من السبيل المنفي في قوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ وأجيب بأنا لا نسلم ذلك وليس فيه أكثر من تنبيهه رضي الله تعالى عنه على ترك الأولى وهو شيء والعتب شيء آخر، وكذا لا يعد لو ما كما لا يخفى.
ومن الناس من خص السبيل في الآية بالإثم والعقاب فلا إشكال عليه أصلا، وقيل: هو باق على العموم إلا أن الآية في عوام المؤمنين ومن لم يبلغ مبلغ أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإن مثله يلام بالشتم وإن كان بحق بحضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يأذن له به قالا أو حالا بل لاح عليه صلّى الله عليه وسلّم ما يشعر باستحسان السكوت عنه وحسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم بعض الأشخاص برد الشتم على الشاتم،
أخرج النسائي، وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخلت علي زينب رضي الله تعالى عنها وعندي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلت علي تسبني فوزعها النبي عليه الصلاة والسلام فلم تنته فقال لي: سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلل سرورا
، ولعله كان هذا منه عليه الصلاة والسلام تعزيرا لزينب رضي الله تعالى عنها بلسان عائشة رضي الله تعالى عنها لما أن لها حقا في الردود أي المصلحة في ذلك وقد ذكر فقهاؤنا أن للقاضي أن يعزر من استحق التعزير بشتم غير القذف وكذا للزوج أن يعزر زوجته على شتمها غير محرم إلى أمور أخر فتأمل.