للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصل فوزنه أفع وتصريفه إلى أسماء (١) وسمى وسميت دون أوسام ووسيم ووسمت يشهد له والجرح بالقلب لا يقبل، واشتقاقه من السمو كالعلو لأنه لدلالته على مسماه يعليه من حضيض الخفاء إلى ذروة الظهور والجلاء.

وقال الكوفيون هو من السمة لأنه علامة على مسماه وأصله وسم فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل وكفى الله المؤمنين القتال، فوزنه أعل ويرد عليهم أن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره وزيادة الاعلال أقيس من عدم النظير وأيضا كونها عوضا يقتضي كونها مقصودة لذاتها ووصلا كونها مقصودة تبعا والعوض كجزء أصل دون الوصل فما هو إلا جمع بين الضب والنون فلذا قيل لا حذف ولا تعويض وإنما قلبت الواو همزة كإعاء وإشاح ثم كثر استعماله فجعلت همزته همزة وصل وقد تقطع للضرورة ورجح الأول لهاتيك الشهادة وفيه لغات أوصلها البعض إلى ثماني عشرة ونظمها فقال:

للاسم عشر لغات مع ثمانية ... بنقل جدي شيخ الناس أكملها

سم سمات سما واسم وزد سمة ... كذا سماء بتثليث لأولها

هذا وقد طال التشاجر في أن الاسم هل هو عين المسمى أو غيره؟ فالأشاعرة على الأول والمعتزلة على الثاني وقد تحير نحارير الفضلاء في تحرير محل البحث على وجه يكون حريا بهذا التشاجر حتى قال مولانا الفخر في التفسير الكبير: إن هذا البحث يجري مجرى العبث وذكر وجها (٢) ادعى لطفه ودقته (٣) وقد كفانا الشهاب مؤنة رده (٤) وقد أراد السيد النحرير في شرح المواقف فلم يتم له، وللسهيلي في ذلك كلام ادعى أنه الحق وصنف في رده ابن السيد رسالة مستقلة وادعى الشهاب أنه إلى الآن لم يتحرر وأنه لم ير مع سعة اطلاعه في هذه المسألة ما فيه ثلج الصدور ولا شفاء الغليل ولم يأت رحمه الله تعالى في حواشيه على البيضاوي من قبل نفسه بشيء يزيح الإشكال ويريح البال وها أنا من فضل الله تعالى ذاكر شيئا إذا قبل فهو غاية ما أتمناه وقد يوجد في الاسقاط ما لا يوجد في الأسفاط وإن رد فقد رد قبلي كلام ألوف كل منهم فرد يقابل بصفوف.

وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس

«فأقول» الاسم يطلق على نفس الذات والحقيقة والوجود والعين وهي عندهم أسماء مترادفة كما نقله الإمام أبو بكر بن فورك في كتابه الكبير في الأسماء والصفات والأستاذ أبو القاسم السهيلي في شرح الإرشاد وهما ممن يعض عليه بالنواجذ، ومنه قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الأعلى: ١] إذ التسبيح في المعروف إنما يتوجه إلى الذات الأقدس وحمله على تنزيه اللفظ كحمله على المجاز والكناية مما لا يليق إذ بعد الثبوت لا يحتاج إليه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ويؤيده قوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يوسف: ٤٠] حيث أطلق الأسماء وأراد الذوات لأن الكفار إنما عبدوا حقيقة ذوات الأصنام دون ألفاظها وإن استقام على بعد، وقال سيبويه وهو


(١) وأصل اسماء اسما وقلبت الواو همزة لوقوعها رابعة بعد ألف، وأصل سمى سميو اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، وأصل سميت سموت قلبت الواو لوقوعها رابعة ولم ينضم ما قبلها ياء اهـ منه.
(٢) هو أن لفظ الاسم اسم لكل لفظ دال على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ولفظ الاسم كذلك فيكون اسما لنفسه وعين مسماه وفيه أنه إنما يصح لو كان النزاع في لفظ (اس م) ولا يصح محلا للخلاف حتى ينكره المعتزلة وأيضا لفظ كلمة وموضوع كذلك قاله الشهاب فافهم ولا تغفل اهـ منه.
(٣) وفي كلام البيضاوي إيماء إليه لمن أنصف اهـ منه.
(٤) رد على البيضاوي وغيره اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>