نظر من طرف خفي، وهو تأويل متكلف، والجملتان السابقتان أعني تَرَى الظَّالِمِينَ وتَراهُمْ يُعْرَضُونَ معطوفان على وَمَنْ يُضْلِلِ وأصل الكلام والظالمون لما رأوا العذاب يقولون وهم يعرضون عليها خاشعين، ثم قيل وَتَرَى وَتَراهُمْ خطابا لكل من يتأتّى منه الرؤية ويعتبر بحالهم زيادة للتهويل كأنه يعجبهم مما هم فيه ليعتبروا ويبتهجوا، ومنه يظهر أنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ أي إنهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ بالتعريض للعذاب الخالد أو على ما مر في الزمر، وعدل عن أنهم إلى الذين تسجيلا عليهم بأكمل الخسران إذ المراد أن الكاملين في صفة الخسران المتصفين بحقيقته يَوْمَ الْقِيامَةِ متعلق بخسروا والقول في الدنيا، وجوز أن يكون متعلقا بقال، والماضي لتحقق الوقوع أي ويقولون إذا رأوهم على تلك الصفة. وفي الكشف الظاهر أنه قول يوم القيامة كالخسران من باب التنازع بين الفعلين، وآثر صاحب الكشاف على ما يؤذن به صنيعه أن يتعلق بالخسران وحده لأن الأصل في قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ إلخ هم الخاسرون كما أن الأصل في وَتَرَى الظَّالِمِينَ والظالمون لما رأوا ثم قيل وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا على نحو ما قيل وَتَرَى إلخ وكما أن الرؤية رؤية الدنيا استحضارا لعذابهم الكائن في الآخرة تهويلا كذلك القول كأنهم جعلهم حضورا يعاين عذابهم ويسمع ما يقول المؤمنون فيهم ورد على الخطاب في الرؤية والغيبة في القول لأن معاينة العذاب لما كانت أدخل في التهويل جعل العذاب قريبا مشاهدا وخصوا بالخطاب على سبيل استحضار الحال لمزيد الابتهاج ولم يكن في الخسران ذلك المعنى لأنه أمر معقول والمحسوسات أقوى لا سيما إذا كن موجبات الخسران فجيء به على الأصل من الغيبة، وعدله من المضارع إلى الماضي لأنه قول صادر عن مقتضى الحال قد حق ووقع تفوهوا به أو لا وأسند إلى المؤمنين دلالة على الابتهاج المذكور واعتباطهم بنجاتهم عما هم فيه وإلا فالقول والرؤية لكل من يتأتى منه القول والرؤية، وجعله حالا كما فعل الطيبي على معنى وتراهم وقد صدق فيهم قول المؤمنين في الدنيا إن الخاسرين إلخ من أسلوب قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة وفيه أنه إنما يرتكب عند تعذر الحقيقة وقد أمكن الحمل على التنازع فلا تعذر.
ثم إنه على التقدير لا يظهر أنه قول فيها إلا بدليل خارج، وهذا بخلاف ما ذكره جار الله في قوله تعالى: وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق: ٢٨] من تقدير وقد صح عندكم أني قدمت لأن في اللفظ إشعارا به بينا انتهى، ولعمري لقد أبعد قدس سره المغزى في هذه الآيات العظام وأتى بما تستحسنه النظار من ذي الإفهام فليفهم، وقوله تعالى: أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ إما من تمام كلام المؤمنين ويجري فيه ما سمعت من الأصل ونكتة العدول أو استئناف إخبار منه تعالى تصديقا لذلك وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ برفع العذاب عنهم مِنْ دُونِ اللَّهِ حسبما يزعمون وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ إلى الهدى أو النجاة، وقيل: المراد ما له من حجة اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ إذا دعاكم لما به النجاة على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ الجار والمجرور إما متعلق بمرد ويعامل اسم لا الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه كما نص عليه ابن مالك في التسهيل ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام «لا مانع لما أعطيت»
وقوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف: ٩٢] أي لا يرده الله تعالى بعد ما حكم به.
ومن لم يرض بذلك قال: هو خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك من الله تعالى، والجملة استئناف في جواب سؤال مقدر تقديره ممن ذلك؟ أو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع خبر لا أو متعلق بالنفي أو بما دل عليه كما قيل في قوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم: ٢] وقيل: هو متعلق بيأتي، وتعقب بأنه خلاف المتبادر من