مبتدأ وهذه الجملة خبره ومِنَ الْكِتابِ حال من العائد المحذوف، وقيل: الجملة معترضة للترغيب والتعليل.
وَاتَّقُوا اللَّهَ في أوامره والقيام بحقوقه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه شيء مما تأتون وما تذرون فليحذر من جزائه وعقابه، أو أن عَلِيمٌ بكل شيء فلا يأمر إلا بما فيه الحكمة والمصلحة فلا تخالفوه، وفي هذا العطف ما يؤكد الأوامر والأحكام السابقة، وليس هذا من التأكيد المقتضي للفصل، لأنه ليس إعادة لمفهوم المؤكد ولا متحدا معه.
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي انقضت عدتهن كما يدل عليه السياق. فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ أي لا تمنعوهن ذلك، وأصل العضل الحبس والتضييق، ومنه عضلت الدجاجة بالتشديد إذا نشبت بيضتها ولم تخرج، والفعل مثلث العين، واختلف في الخطاب فقيل- واختاره الإمام- إنه للأزواج المطلقين حيث كانوا يعضلون مطلقاتهم بعد مضي العدة ولا يدعونهن يتزوجن ظلما وقسرا لحمية الجاهلية، وقد يكون ذلك بأن يدس إلى من يخبطهن ما يخيفه أو ينسب إليهن ما ينفر الرجل من الرغبة فيهن، وعليه يحمل الأزواج على من يردن أن يتزوجنه، والعرب كثيرا ما تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه، وقيل- واختاره القاضي- إنه للأولياء، فقد أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود وخلق كثير من طرق شتى عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة، ولم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهوته ثم خطبها مع الخطاب فقلت له: يا لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم الله تعالى حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله تعالى هذه الآية، قال: ففي نزلت فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه، وفي لفظ فلما سمعها معقل قال: سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك، وعليه يحمل الأزواج على الذين كانوا أزواجا وخطاب التطليق حينئذ إما أن يتوجه لما توجه له هذا الخطاب ويكون نسبة التطليق للأولياء باعتبار التسبب كما ينبئ عنه التصدي للعضل، وإما أن يبقى على ظاهره للأزواج المطلقين ويتحمل تشتيت الضمائر اتكالا على ظهور المعنى، وقيل- واختاره الزمخشري- إنه لجميع الناس فيتناول عضل الأزواج والأولياء جميعا، ويسلم من انتشار ضميري الخطاب والتفريق بين الاسنادين مع المطابقة لسبب النزول، وفيه تهويل أمر العضل بأن من حق الأولياء أن لا يحوموا حوله وحق الناس كافة أن ينصروا المظلوم، وجعل بعضهم الخطابات السابقة كذلك، وذكر أن المباشرة لتوقفها على الشروط العقلية والشرعية توزعت بحسبها كما إذا قيل لجماعة معدودة أو غير محصورة. أدوا الزكاة وزوجوا الأكفاء وامنعوا الظلمة كان الكل مخاطبين والتوزع على ما مر، هذا وليس في الآية على أي وجه حملت دليل على أنه ليس للمرأة أن تزوج نفسها كما وهم ونهي الأولياء عن العضل ليس لتوقف صحة النكاح على رضاهم بل لدفع الضرر عنهن لأنهن وإن قدرن على تزويج أنفسهن شرعا لكنهن يحترزن عن ذلك مخافة اللوم والقطيعة أو مخافة البطش بهن، وفي إسناد النكاح إليهن إيماء إلى عدم التوقف وإلا لزم المجاز وهو خلاف الظاهر، وجوز في أن ينكحن وجهان: الأول أنه بدل اشتمال من الضمير المنصوب قبله. والثاني أن يكون على إسقاط الخافض والمحل إما نصب أو جر على اختلاف الرأيين إِذا تَراضَوْا ظرف- لا تعضلوا- والتذكير باعتبار التغليب والتقييد به لأن المعتاد لا لتجويز المنع قبل تمام التراضي، وقيل ظرف لأن ينكحن. وقوله تعالى: بَيْنَهُمْ ظرف للتراضي مفيد لرسوخه واستحكامه بِالْمَعْرُوفِ أي بما لا يكون مستنكرا شرعا ومروءة، والباء إما متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل تَراضَوْا أو نعتا لمصدر محذوف أي تراضيا كائنا بِالْمَعْرُوفِ وإما بتراضوا أو بينكحن، وفي التقييد بذلك إشعار بأن المنع من التزوج بغير كفء أو بما دون مهر