وقرأ عمرو بن ميمون وابن محيصن وابن أبي ليلى وأبو رجاء والوليد بن مسلم «سخريا» بكسر السين والمراد به ما ذكرنا أيضا، وفي قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا إلخ ما يزهد في الانكباب على طلب الدنيا ويعين على التوكل على الله عز وجل والانقطاع إليه جل جلاله:
فاعتبر نحن قسمنا بينهم ... تلقه حقا وبالحق نزل
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ أي النبوة وما يتبعها من سعادة الدارين، وقيل: الهداية والإيمان، وقال قتادة، والسدي: الجنة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من حطام الدنيا الدنية فالعظيم من رزق تلك الرحمة دون ذلك الحطام الدنيء الفاني.
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ استئناف مبين لحقارة متاع الدنيا ودناءة قدره عند الله عز وجل، والمعنى أن حقارة شأنه بحيث لولا كراهة أن يجتمع الناس على الكفر ويطبقوا عليه لأعطيناه على أتم وجه من هو شر الخلائق وأدناهم منزلة، فكراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع كل كافر والبسط عليه لا أن المانع كون متاع الدنيا له قدر عندنا، والكراهة المذكورة هي وجه الحكمة في ترك تنعيم كل كافر وبسط الرزق عليه فلا محذوف في تقديرها وليس ذلك مبنيا على وجوب رعاية المصلحة وإرادة الإيمان من الخلق ليكون اعتزالا كما ظن، وكأن وجه كون البسط على الكفار سببا للاجتماع على الكفر مزيد حب الناس للدنيا فإذا رأوا ذلك كفروا لينالوها، وهذا على معنى أن الله تعالى شأنه علم أنه لو فعل ذلك لدعا الناس إذ ذاك حبهم للدنيا إلى الكفر، فلا يقال: إن كثيرا من الناس اليوم يتحقق الغنى التام لو كفر ولا يكفر ولو أكره عليه بالقتل، وكون المراد بالأمر الواحد الذي يقتضيه كونهم أمة واحدة فإنه بمعنى اجتماعهم على أمر واحد الكفر بقرينة الجواب، ولِبُيُوتِهِمْ بدل اشتمال من قوله تعالى: لِمَنْ يَكْفُرُ واللام فيهما للاختصاص أو هما متعلقان بالفعل لا على البدلية ولام لمن صلة الفعل لتعديه باللام فهو بمنزلة المفعول به ولام لِبُيُوتِهِمْ للتعليل فهو بمنزلة المفعول له، ويجوز أن تكون الأولى للملك والثانية للاختصاص كما في قولك: وهبت الحبل لزيد لدابته وإليه ذهب ابن عطية، ولا يجوز على تقدير اختلاف اللامين معنى البدلية إذ مقتضى إعادة العامل في البدل الاتحاد في المعنى وإلى هذا ذهب أبو حيان، وقال الخفاجي: لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة، والسقف جمع سقف كرهن جمع رهن، وعن الفراء أنه جمع سقيفة كسفن جمع سفينة، والمعارج جمع معرج وهو عطف على سُقُفاً أي ولجعلنا لهم مصاعد عليها يعلون السطوح والعلالي وكأن المراد معارج من فضة بناء على أن العطف ظاهر في التشريك في القيد وإن تقدم، وقال أبو حيان: لا يتعين ذلك، وقرأ أبو رجاء «سقفا» بضم السين وسكون القاف تخفيفا وفي البحر هي لغة تميم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين والسكون على الإفراد لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت وقرىء بفتح السين والقاف وهي لغة في سقف وليس ذلك تحريك ساكن لأنه لا وجه له.
وقرىء «سقوفا» وهو جمع سقف كفلوس جمع فلس، وقرأ طلحة «معاريج» جمع معراج وَلِبُيُوتِهِمْ أي ولجعلنا لبيوتهم، وتكرير ذكر بيوتهم لزيادة التقرير ولأنه ابتداء أية أَبْواباً وَسُرُراً أي من فضة على ما سمعت، وقرىء «سررا» بفتح السين والراء وهي لغة لبني تميم وبعض كلب وذلك في جمع فعيل المضعف إذا كان اسما باتفاق وصفه نحو ثوب جديد وثياب جدد باختلاف بين النحاة عَلَيْها أي على السرر يَتَّكِؤُنَ كما هو شأن الملوك لا يهمهم شيء وَزُخْرُفاً قال الحسن: أي نقوشا وتزاويق، وقال ابن زيد: الزخرف أثاث البيت وتحملاته وهو