للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه قيد بالوقت وأتى بالغاية وما هو خلقي لا يزول، وقال بعضهم: لم أر أحدا يجيز عشوت عنه إذا أعرضت وإنما يقال تعاشيت وتعاميت عن الشيء إذا تغافلت عنه كأنك لم تره ويقال: عشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف، وهو مما لا يلتفت إليه ومثله عشى وعشا عرج بكسر الراء لمن به الآفة وعرج بفتحها لمن استدللت عليها ببصر ضعيف، وهو مما لا يلتفت إليه ومثله عشى وعشا عرج بكسر الراء لمن به الآفة وعرج بفتحها لمن مشى مشية العرجان من غير عرج على ما في الكشاف، وفيه خلاف لأهل اللغة ففي القاموس يقال: عرج أي بالفتح إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقة فإذا كان خلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة، وقرأ زيد بن علي «يعشو» بإثبات الواو وخرج ذلك الزمخشري على أن من موصولة لا شرطية جازمة، وجوز أن تكون شرطية والمدة إما للإشباع أو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة على ما حكاه الأخفش، وجوز كون الفعل مجزوما بحذف النون والواو ضمير الجمع، وقد روعي فيه معنى من، وتخريج الزمخشري مبني على الفصيح المطرد المتبادر.

نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي نتح له شيطانا ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الأعلى.

فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ دائما لا يفارقه ولا يزال يوسوسه ويغويه وهذا عقاب على الكفر بالختم وعدم الفلاح كما يقال: إن الله تعالى يعاقب على المعصية بمزيد اكتساب السيئات، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه: والسلمي والأعمش ويعقوب وأبو عمرو بخلاف عنه. وحماد عن عاصم وعصمة عن الأعمش وعن عاصم والعليمي عن أبي بكر «يقيض» بالياء على إسناده إلى ضمير الرَّحْمنِ، وقرأ ابن عباس «يقيض» بالياء والبناء للمفعول «شيطان» بالرفع والفعل في جميع القراءات مجزوم ولم نسمع أنه قرىء بالرفع، وفي الكشاف حق من قرأ «من يعشو» بالواو أن يرفعه أي بناء على تخريجه ذلك على أن من موصولة، وجوز على ذلك أيضا أن يكون «يقيّض» مرفوعا لكنه سكن تخفيفا.

وفي البحر يجوز أن تكون مَنْ موصولة وجزم نُقَيِّضْ تشبيها للموصول باسم الشرط وإذا كان ذلك مسموعا في الذي وهو لم يكن اسم شرط قط فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولا وشرطا، قال الشاعر:

لا تحفرن بئرا تريد أخا بها ... فإنك فيها أنت من دونه تقع

كذاك الذي يبغي على الناس ظالما ... تصبه على رغم عواقب ما صنع

أنشدهما ابن الاعرابي وهو مذهب للكوفيين، وله وجه من القياس وهو أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره فكذلك يشبه به فينجزم الخبر إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسببا عن الصلة بشروطه المذكورة في النحو وهذا لا يقيسه البصريون وَإِنَّهُمْ أي الشياطين الذين قيض وقدر كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو لَيَصُدُّونَهُمْ أي ليصدون قرناءهم وهم الكفار المعبر عنهم بمن يعش، وجمع ضمير الشيطان لأن المراد به الجنس. وجمع ضمير من رعاية للمعنى كما أفرد أولا رعاية للفظ. وفي الانتصاف أن في هذه الآية نكتتين بديعتين الأولى الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم وهي مسألة أضرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بإفادتها العموم حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص، وقال إن الشرط يعم والنكرة في سياقه تعم وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن علي الأبياري شارح كتابه ردا عنيفا، وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرا في سياق شرط ونحن نعلم أنه إنما أريد عموم الشياطين لا واحد لوجهين. أحدهما أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانا فكيف بالعاشي عن ذكر الله تعالى والآخر من الآية وهو أنه أعيد عليه الضمير مجموعا في قوله تعالى: «وإنهم» فإنه عائد إلى الشيطان قولا واحدا ولولا إفادته عموم الشمول لما

<<  <  ج: ص:  >  >>