مُرْسِلِينَ وكونها بدلا من أَمْراً فلا تغفل إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لكل مسموع فيسمع أقوال العباد الْعَلِيمُ لكل معلوم فيعلم أحوالهم، وتوسيط الضمير مع تعريف الطرفين لإفادة الحصر، والجملة تحقيق لربوبيته عز وجل وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته، وفي تخصيص السَّمِيعُ الْعَلِيمُ على ما قال الطيبي إدماج لوعيد الكفار ووعد المؤمنين الذين تلقوا الرحمة بأنواع الشكر رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما بدل من رَبِّكَ أو بيان أو نعت.
وقرأ غير واحد من السبعة والأعرج وابن أبي إسحاق وأبو جعفر وشيبة بالرفع على أنه خبر آخر لإن أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها وتعليله إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم ممن عنده شيء من الإيقان وطرف من العلوم اليقينية على أن الوصف المتعدي منزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى ما يتعلق به، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من أهل الإيقان علمتم كونه سبحانه رب السموات والأرض لأنه من أظهر اليقينيات دليلا وحينئذ يلزمكم القول بما يقتضيه مما ذكر أولا، ويجوز أن يكون مفعوله مقدرا أي إن كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم عمن خلق السموات والأرض فقلتم الله تعالى خلقهن، والجواب أيضا محذوف أي إن كنتم موقنين في إقراركم بذلك علمتم ما يقتضيه مما تقدم لظهور اقتضائه إياه، وجعل غير واحد الجواب على الوجهين تحقق عندكم ما قلناه، ولم يجوزوا جعله مضمون رَبِّ السَّماواتِ إلخ لأنه سبحانه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالا عليه، وكذا جعله مضمون ما بعد بل هذا مما لا يحسن باعتبار العلم أيضا.
وفي هذا الشرط تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلافه عليهم، وهو مراد من قال: إنه من باب تنزيل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، قيل: ولا يصح أن يقال: إنهم نزلوا منزلة الشاكرين لمكان قوله سبحانه بعد:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ ولا أرى بأسا في أن يقال: إنهم نزلوا أولا كذلك ثم سجل عليهم بالشك لأنهم وإن أقروا بأنه عز وجل رب السموات والأرض لم ينفكوا عن الشك لإلحادهم في صفاته سبحانه وإشراكهم به تعالى شأنه.
وجوز أن يكون مُوقِنِينَ مجازا عن مريدين الإيقان والجواب محذوف أيضا أي إن كنتم مريدين الإيقان فاعلموا ذلك، وفيه بعد، وأما جعل إِنْ نافية كما حكاه النيسابوري فليس بشيء كما لا يخفى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ جملة مستأنفة مقررة لما قبلها، وقيل: خبر لمبتدأ محذوف أي هو سبحانه لا إله إلا هو وجملة المبتدأ وخبره مستأنفة مقررة لذلك، وقيل: خبر آخر لإن على قراءة «رب السموات» بالرفع وجعله خبرا، وقيل: خبر له على تلك القراءة وما بينهما اعتراض يُحْيِي وَيُمِيتُ مستأنفة كما قبلها، وكذا قوله تعالى: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بإضمار مبتدأ أو بدل من رَبِّ السَّماواتِ على تلك القراءة أو بيان أو نعت له، وقيل: فاعل ليميت، وفي يُحْيِي ضمير راجع إليه والكلام من باب التنازع أو إلى رَبِّ السَّماواتِ، وقيل: يُحْيِي وَيُمِيتُ خبر آخر لرب السموات وكذا رَبُّكُمْ وقيل: هما خبران آخران لإن، وقرأ ابن أبي إسحق وابن محيصن وأبو حيوة والزعفراني وابن مقسم والحسن وأبو موسى وعيسى بن سليمان وصالح كلاهما عن الكسائي بالجر بدلا من «رب السموات» على قراءة الجر، وقرأ أحمد بن جبير الانطاكي بالنصب على المدح.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ إضراب ابطالي أبطل به إيقانهم لعدم جريهم على موجبه، وتنوين «شكّ» للتعظيم أي في شك عظيم يَلْعَبُونَ لا يقولون ما يقولون مما هو مطابق لنفي الأمر عن جد وإذعان بل يقولونه مخلوطا بهزء ولعب وهذه الجملة خبر بعد خبر لهم.
وجوز أن تكون هي الخبر والظرف متعلق بالفعل قدم للفاصلة، والالتفات عن خطابهم لفرط عنادهم وعدم التفاتهم، والفاء في قوله تعالى: فَارْتَقِبْ لترتيب الارتقاب أو الأمر به على ما قبلها فإن كونهم في شك يلعبون مما