بضم الميم وَنَعْمَةٍ أي تنعم، قال الراغب: النعمة بالفتح التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة والنعمة بالكسر الحالة الحسنة وبناؤها بناء التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة وتقال للجنس الصادق بالقليل والكثير واختير هاهنا تفسير النعمة بالشيء المنعم به لأنه أنسب للترك وهي كثيرا ما تكون بهذا المعنى.
وقرأ أبو رجاء «ونعمة» بالنصب وخرج بالعطف على كَمْ، وقيل: هي معطوفة على محل ما قبلها كأنه قيل:
كم تركوا جنات وعيونا وزروعا ومقاما كريما ونعما كانُوا فِيها فاكِهِينَ طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ففاكه كلابن وتامر، وقال القشيري: لاهين، وقرأ الحسن. وأبو رجاء «فكهين» بغير ألف والفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزئ فالمعنى مستخفين بشكر النعمة التي كانوا فيها.
وقال الجوهري: فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان مزاحا والفكه أيضا الأشر كَذلِكَ قال الزجاج: المعنى الأمر كذلك، والمراد التأكيد والتقرير فيوقف على ذلك فالكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أو الجار والمجرور كذلك، وقيل: الكاف في موضع نصب أي نفعل فعلا كذلك لمن نريد إهلاكه، وقول الكلبي: أي كذلك أفعل بمن عصاني ظاهر فيما ذكر، وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الإخراج أي المفهوم مما تقدم أخرجناهم منها وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ عطف على تركوا والجملة معترضة فيما عدا القول الأخير وعلى أخرجناهم فيه، وقيل: الكاف منصوبة على معنى تركوا تركا مثل ذلك فالعطف على تَرَكُوا بدون اعتراض وهو كما ترى، والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل وهم مغايرون للقبط جنسا ودينا. ويفسر ذلك قوله تعالى في سورة [الشعراء: ٥٩] كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ وهو ظاهر في أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن.
وقيل: المراد بهم غير بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن.
وقيل: المراد بهم غير بني إسرائيل ممن ملك مصر بعد هلاك القبط وإليه ذهب قتادة قال: لم يرد في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر ولا أنهم ملكوها قط وأول ما في سورة الشعراء بأنه من باب وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [فاطر: ١١] وقولك: عندي درهم ونصفه فليس المراد خصوص ما تركوه بل نوعه وما يشبهه، والإيراث: الإعطاء وقيل: المراد من إيراثها إياهم تمكينهم من التصرف فيها ولا يتوقف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أولا، وأخذ جمع بقول الحسن وقالوا لا اعتبار بالتواريخ وكذا الكتب التي بيد اليهود اليوم لما أن الكذب فيها كثير وحسبنا كتاب الله تعالى وهو سبحانه أصدق القائلين وكتابه جلّ وعلا مأمون من تحريف المحرفين فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم، وهو استعارة تمثيلية تخييلية شبه حال موتهم لشدته وعظمته بحال من تبكي عليه السماء والأجرام العظام وأثبت له ذلك والنفي تابع للإثبات في التجوز كما حقق في موضعه، وقيل: هي استعارة مكنية تخييلية بأن شبه السماء والأرض بالإنسان وأسند إليهما البكاء أو تمثيلية بأن شبه حالهما في عدم تغير حالهما وبقائهما على ما كانا عليه بحال من لم يبك، وليس بشيء كما لا يخفى على من راجع كلامهم، وقد كثر في التعظيم لمهلك الشخص بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ونحو ذلك، قال يزيد بن مفرغ: