من استعباد فرعون وقتله أبناءهم واستحيائه نساءهم على الخسف والضيم مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من العذاب على حذف المضاف والتقدير من عذاب فرعون أو جعله عليه اللعنة عين العذاب مبالغة، وجوز أن يتعلق بمحذوف يقع حالا أي كائنا من جهة فرعون، وقيل: متعلق بمحذوف واقع صفة أي كائنا أو الكائن من فرعون ولا بأس بهذا إذا لم يعد ذلك من حذف الموصول مع بعض صلته.
وقرأ عبد الله «من عذاب المهين» على إضافة الموصوف إلى صفته كبقلة الحمقاء. وقرأ ابن عباس من «فرعون» على الاستفهام لتهويل العذاب أي هل تعرفون من فرعون في عتوه وشيطنته فما ظنكم بعذابه، وقيل: لتحقير فرعون بجعله غير معلوم يستفهم عنه كالنكرة لما فيه في القبائح التي لم يعهد مثلها وما بعد يناسب ما قبل كما لا يخفى.
وأيا ما كان فالظاهر أن الجملة استئناف، وقيل: إنها مقول قول مقدر هو صفة للعذاب، وقدر المقول عنده إن كان تعريف العذاب للعهد ومقول إن كان للجنس فلا تغفل إِنَّهُ كانَ عالِياً متكبرا مِنَ الْمُسْرِفِينَ في الشر والفساد، والجار والمجرور إما خبر ثاني لكان أي كان متكبرا مغرقا في الإسراف، وإما حال من الضمير المستتر في عاليا أي كان متكبرا في حال إغراقه في الإسراف وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ أي اصطفينا بني إسرائيل وشرفناهم عَلى عِلْمٍ أي عالمين باستحقاقهم ذلك أو مع علم منا بما يفرط منهم في بعض الأحوال، وقيل: عالمين بما يصدر منهم من العدل والإحسان والعلم والإيمان، ويرجع هذا إلى ما قيل أولا فإن العدل وما معه من أسباب الاستحقاق، وقيل: لأجل علم فيهم، وتعقب بأنه ركيك لأن تنكير العلم لا يصادق محزه.
وأجيب بأنه للتعظيم ويحسن اعتباره علة للاختيار عَلَى الْعالَمِينَ أي عالمي زمانهم كما قال مجاهد وقتادة فالتعريف للعهد أو الاستغراق العرفي فلا يلزم تفضيلهم على أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم الذين هم خير أمة أخرجت للناس على الإطلاق، وجوز أن يكون للاستغراق الحقيقي والتفضيل باعتبار كثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم لا من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية، وقيل: المراد اخترناهم للإيحاء على الوجه الذي وقع وخصصناهم به دون العالمين، وليس بشيء، ومما ذكرنا يعلم أنه ليس في الآية تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد لأن الأول متعلق بمحذوف وقع حالا والثاني متعلق بالفعل كقوله:
ويوما على ظهر الكثيب تعذرت ... عليّ وآلت حلفة لم تحلل
وقيل: لأن كل حرف بمعنى وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها في غيرهم، وبعضها وإن أوتيها موسى عليه السلام يصدق عليهم أنهم أوتوه لأن ما للنبي لأمته ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ أي نعمة ظاهرة أو اختبار ظاهر لننظر كيف يعملون، وفي فِيهِ إشارة إلى أن هناك أمورا أخرى ككونه معجزة إِنَّ هؤُلاءِ كفار قريش لأن الكلام فيهم، وذكر قصة فرعون وقومه استطرادي للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار عن مثل ما حل بهم، وفي اسم الإشارة تحقير لهم لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى أي ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ أي بمبعوثين بعدها، وتوصيفها بالأولى ليس لقصد مقابلة الثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى، ومات.
قال الاسنوي في التمهيد: الأول في اللغة ابتداء الشيء ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون، كما تقول: هذا أول ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئا وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاج.
ومن فروع المسألة ما لو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق تطلق إذا ولدته، وإن لم تلد غيره