كَغَلْيِ الْحَمِيمِ صفة مصدر محذوف أي غليا كغلي الحميم، وجوز أن يكون حالا، والحميم ما هو في غاية الحرارة خُذُوهُ على إرادة القول والمقول له الزبانية أي ويقال لهم خذوه فَاعْتِلُوهُ فجروه بقهر.
قال الراغب: العتل الأخذ بجامع الشيء وجره بقهر، وبعضهم يعبر بالثوب بدل الشيء وليس ذاك بلازم والمدار على الجر مع الإمساك بعنف.
وقال الأعمش ومجاهد: معنى (اعتلوه) اقصفوه كما يقصف الحطب، والظاهر عليه التضمين أو تعلق الجار بخذوه، والمعنى الأول هو المشهور. وقرأ زيد بن علي والحجازيان وابن عامر ويعقوب «فاعتلوه» بضم التاء وروي ذلك عن الحسن وقتادة والأعرج على أنه من باب قعد، وعلى قراءة الجمهور من باب نصر وهما لغتان إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أي وسطه، وسمي سواء لاستواء بعد جميع أطرافه بالنسبة إليه.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ كأن أصله صبوا فوق رأسه الحميم، ثم قيل: صبوا فوق رأسه الحميم، ثم قيل: صبوا فوق رأسه عذابا هو الحميم للمبالغة بجعل العذاب عين الحميم، وهو مترتب عليه ولجعله مصبوبا كالمحسوس ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيد مِنْ للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع فهناك إما تمثيل أو استعارة تصريحية أو مكنية أو تخييلية ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي ويقال: أو قولوا له ذلك استهزاء وتقريعا على ما كان يزعمه.
أخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة قال: لما نزلت خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني، فقال الله تعالى: ذُقْ إلخ.
وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة أن أبا جهل قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء لقد علمت أنني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وروي أن اللعين قال يوما: يا معشر قريش أخبروني ما اسمي فذكرت له ثلاث أسماء عمر والجلاس وأبو الحكم فقال: ما أصبتم اسمي ألا أخبركم به؟ قالوا: بلى قال: اسمي العزيز الكريم فنزلت إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ الآيات، وهذا ونحوه لا يدل أيضا على تخصيص حكم الآية به فكل أثيم يدعي دعواه كذلك يوم القيامة، وقيل: المعنى ذق إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك ولم يفدك شيئا، والذوق مستعار للإدراك.
وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما على المنبر والكسائي «أنك» بفتح الهمزة على معنى لأنك.
إِنَّ هذا أي العذاب أو الأمر الذي أنتم فيه ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ تشكون وتمارون فيه، وهذا ابتداء كلام منه عزّ وجلّ أو من مقول القول والجمع باعتبار المعنى لما سمعت أن المراد جنس الأثيم.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ في موضع قيام، والمراد بالقيام الثبات والملازمة كما في قوله تعالى: ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران: ٧٥] ويكنى به عن الإقامة لأن المقيم ملازم لمكانه، وهو مراد من قال: في مقام أي موضع إقامة.
وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وزيد بن علي وأبو جعفر وشيبة والأعرج والحسن وقتادة ونافع وابن عامر «مقام» بضم الميم ومعناه موضع إقامة، وعلى ما قررنا ترجع القراءتان إلى معنى واحد.
أَمِينٍ يأمن صاحبه مما يكره فهو صفة من الأمن وهو عدم الخوف عما هو من شأنه، ووصف المقام به باعتبار أمن من آمن به فهو إسناد مجازي كما في نهر جار، وظاهر كلام الزمخشري أن ذلك استعارة من الأمانة كأن المكان مؤتمن وضع عنده ما يحفظه من المكاره ففيه استعارة مكنية وتخييلية، وقال ابن عطية: فعيل بمعنى مفعول أي