التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأن الفعل متعد قبله فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا منه تعالى فهو نصب على المصدرية، وجوز فيه أن يكون حالا ومفعولا له، وأيا ما كان ففيه إشارة إلى نفي إيجاب أعمالهم الإثابة عليه سبحانه وتعالى. وقرىء «فصل» بالرفع أي ذلك فضل ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لأنه فوز بالمطالب وخلاص من المكاره فَإِنَّما يَسَّرْناهُ أي فإنما سهلنا القرآن بِلِسانِكَ أي بلغتك، وقيل: المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونه أميا، وهذا فذلكة وإجمال لما في السورة بعد تفصيل تذكيرا لما سلف مشروحا فيها، فالمعنى ذكرهم بالكتاب المبين فإنما يسرناه بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي كي يفهموه ويتذكروا به ويعملوا بموجبه فَارْتَقِبْ أي وإن لم يتذكروا فانتظر ما يحل بهم وهو تعميم بعد تخصيص بقوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ [الدخان: ١٠] إلخ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ منتظرون ما يحل بك كما قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور: ٣٠] وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما، وقيل: هو مشاكلة، والمعنى أنهم صائرون للعذاب، وفي الآية من الوعد له صلّى الله عليه وسلّم ما لا يخفى، وقيل: فيها الأمر بالمتاركة وهو منسوخ بآية السيف فلا تغفل.
ومن باب الإشارة في الآيات: ما ذكروه في قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ إلى آخر القصة من تطبيق ذلك على ما في الأنفس، وهو مما يعلم مما ذكرناه في باب الإشارة من هذا الكتاب غير مرة فلا نطيل به، وقالوا في قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ إنه إشارة إلى الوحدة كقوله عزّ وجلّ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: ٥٣] وأفصح بعضهم فقال: الحق هو عزّ وجلّ والباء للسببية أي ما خلقناهما إلا بسبب أن تكون مرايا لظهور الحق جلّ وعلا، ومن جعل منهم الباء للملابسة أنشد:
رق الزجاج وراقت الخمر ... فتشاكلا وتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
والعبارة ضيقة والأمر طور ما وراء العقل والسكوت أسلم، وقالوا في شجرة الزقوم: هي شجرة الحرص وحب الدنيا تظهر يوم القيامة على أسوأ حال وأخبث طعم، وقالوا الْمَوْتَةَ الْأُولى ما كان في الدنيا بقتل النفس بسيف الصدق في الجهاد الأكبر وهو المشار إليه بموتوا قبل أن تموتوا فمن مات ذلك الموت حيي أبدا الحياة الطيبة التي لا يمازجها شيء من ماء الألم الجسماني والروحاني وذلك هو الفوز العظيم، والله تعالى يقول الحق وهو سبحانه يهدي السبيل.