وعبد الله «لآيات» باللام كذا في البحر ولم يبين أن آيات مرفوع أو منصوب، فإن كان منصوبا فاللام زائدة في اسم إن المتقدم عليه خبرها وهو أحد مواضع زيادته المطردة الكثيرة، وإن كان مرفوعا فهي زائدة في المبتدأ ويقل زيادتها فيه، وحسن زيادتها هنا تقدم أن في الجملة المعطوف عليها فهو كقوله:
إن الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف ظرف لمما أحقر
وقرأ زيد بن علي «آية» بالإفراد. وقرأ الأعمش والجحدري وحمزة والكسائي ويعقوب «آيات» بالجمع والنصب على أنها عطف على «آيات» السابق الواقع اسما لأن وفِي خَلْقِكُمْ معطوف على فِي السَّماواتِ فكأنه قيل:
وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي من شأنهم أن يوقنوا بالأشياء على ما هي عليه وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بالجر على إضمار في، وقد قرأ عبد الله بذكره. وجاء حذف الجار مع إبقاء عمله كما في قوله:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع
وحسن ما هنا ذكر الجار في الآيتين قبل. وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ خبره آياتٌ بعد والمراد باختلافهما تعاقبهما أو تفاوتهما طولا وقصرا، وقيل: اختلافهما في أن أحدهما نور والآخرة ظلمة وَما أَنْزَلَ اللَّهُ عطف على اخْتِلافِ مِنَ السَّماءِ جهة العلو، وقيل: السحاب، وقيل: الجرم المعروف بضرب من التأويل.
مِنْ رِزْقٍ من مطر، وسمي رزقا لأنه سببه فهو مجاز، ولو لم يؤول صح لأنه في نفسه رزق أيضا.
فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بأن أخرج منها أصناف الزرع والثمرات والنبات، والسببية عادية اقتضتها الحكمة بَعْدَ مَوْتِها يبسها وعرائها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ من جهة إلى أخرى ومن حال إلى حال، وتأخيره عن إنزال المطر مع تقدمه عليه في الوجود إما للإيذان بأنه آية مستقلة حيث لو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح وإنزال المطر آية واحدة، وإما لأن كون التصريف آية ليس بمجرد كونه مبدأ لإنشاء المطر بل له ولسائر المنافع التي من جملتها سوق السفن في البحار.
وقرأ زيد بن علي وطلحة وعيسى «وتصريف الريح» بالإفراد آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما تقدم من الجار والمجرور أعني «في اختلاف» على ما سمعت، والجملة معطوفة على ما قبلها. وقيل: إن اخْتِلافِ بالجر عطف على خَلْقِكُمْ المجرور بفي قبله وآياتٌ عطف على آيات السابق المرفوع بالابتداء، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، ومن الناس من يمنعة وهم أكثر البصريين، ومنهم من يجيزه وهم أكثر الكوفيين، ومنهم من يفصل فيقول: وهو جائز في نحو قولك: في الدار زيد والحجرة عمرو وغير جائز في نحو قولك: زيد في الدار وعمرو الحجرة لأن الأول يلي المجرور فيه العاطف فقام العاطف مقام الجار، والثاني لم يل فيه المجرور العاطف فكان فيه إضمار الجار من غير عوض، وتمام الكلام في هذه المسألة في محله وقيل: إن اخْتِلافِ عطف على المجرور قبله وآياتٌ خبر مبتدأ محذوف أي هي آيات واختاره من لم يجوز العطف على معمولي عاملين ويقول بضعف حذف الجار مع بقاء عمله وإن تقدمه ذكر جار.
وقال أبو البقاء: آياتٌ مرفوع على التأكيد لآيات السابق وهم يعيدون الشيء إذا طال الكلام في الجملة للتأكيد والتذكير. وتعقب بأن ذلك إنما يكون بعين ما تقدم واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد، وأيضا فيه الفصل بين المعطوف المجرور والمعطوف عليه وبين المؤكد والمؤكد وهو إن جاز يورث تعقيدا ينافى فصاحة القرآن العظيم. وقرأ آيات هنا بالنصب من قرأها هناك به فهي مفعول لفعل محذوف أي أعني آيات،