وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ فإن ما أنذروه يوم القيامة وما فيه من الطامة التامة والأهوال العامة لا آخر أعمارهم. وجوز كون ما مصدرية أي عن إنذارهم بذلك الوقت على إضافة المصدر إلى مفعوله الأول القائم مقام الفاعل، والجملة حالية أي ما خلقنا الخلق إلا بالحق وتقدير الأجل الذي يجازون عنده والحال أنهم غير مؤمنين به معرضون عنه غير مستعدين لحلوله قُلْ توبيخا لهم وتبكيتا أَرَأَيْتُمْ أخبروني وقرىء «أرأيتكم» ما تَدْعُونَ ما تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام أو جميع المعبودات الباطلة ولعله الأظهر، والموصول مفعول أول- لأرأيتم- وقوله تعالى: أَرُونِي تأكيد له فإنه بمعنى أخبروني أيضا، وقوله تعالى: ماذا خَلَقُوا جوز فيه أن تكون ما اسم استفهام مفعولا مقدما- لخلقوا- وذا زائدة وأن تكون ماذا اسما واحدا مفعولا مقدما أي أي شيء خلقوا وأن تكون اسم استفهام مبتدأ أو خبرا مقدما وذا اسم موصول خبرا أو مبتدأ مؤخرا وجملة خَلَقُوا صلة الموصول أي ما الذي خلقوه، وعلى الأولين جملة خَلَقُوا مفعول ثان- لأرأيتم- وعلى ما بعدهما جملة ماذا خَلَقُوا وجوز أن يكون الكلام من باب الأعمال وقد أعمل الثاني وحذف المفعول الأول وأختاره أبو حيان، وقيل:
يحتمل أن يكون أَرُونِي بدل اشتمال من أَرَأَيْتُمْ وقال ابن عطية: يحتمل أَرَأَيْتُمْ وجهين: كونها متعدية وما مفعولا لها. وكونها منبهة لا تتعدى وما استفهامية على معنى التوبيخ، وهذا الثاني قاله الأخفش في أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ [الكهف: ٦٣] .
وقوله تعالى: مِنَ الْأَرْضِ تفسير للمبهم في ماذا خَلَقُوا قيل: والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها، وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك، ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقا ولعله أولى أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ أي شركة مع الله سبحانه فِي السَّماواتِ أي في خلقها، ولعل الأولى فيها أيضا أن تفسر بالعلويات. وأَمْ جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة، والمراد نفي استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتم وجه، فقد نفى أولا مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالا، وثانيا مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي، ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية وتخصيص الشركة في النظم الجليل بقوله سبحانه: فِي السَّماواتِ مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضا لأن القصد إلزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلين ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة. وقيل: الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل أَمْ المتصلة لوجود دليله والتقدير ألهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات وهو كما ترى، وقوله تعالى: ائْتُونِي بِكِتابٍ إلى آخره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب إلهي كائن مِنْ قَبْلِ هذا الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، فالاثارة مصدر كالضلالة بمعنى البقية من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه. وقال القرطبي: هي بمعنى الإسناد والرواية، ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما ... بيّن للسامع والآثر
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة: المعنى أو خاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد آثر الله تعالى بها من هي عنده، وقيل: هي العلامة. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ قال: الخط، وروي ذلك أيضا موقوفا على