قسمان: مختصر بلفظ الصلاة الوسطى صلاة العصر، ومطول فيه قصة وقع في ضمنها هذه الجملة، والمختصر مأخوذ من المطول اختصره بعض الرواة فوهم في اختصاره على ما ستسمع، والأحاديث المطولة كلها لا تخلو من احتمال فلا يصح الاستدلال بها
فقوله من حديث مسلم «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر»
فيه احتمالان، أحدهما أن يكون لفظ صلاة العصر ليس مرفوعا بل مدرج في الحديث أدرجه بعض الرواة تفسيرا منه كما وقع ذلك كثيرا في أحاديث، ويؤيده ما
أخرجه مسلم من وجه آخر عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ «حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس»
يعني العصر، الثاني على تقدير أنه ليس بمدرج يحتمل أن يكون عطف نسق على حذف العاطف لا بيانا ولا بدلا والتقدير شغلونا عن الصلاة الوسطى وصلاة العصر، ويؤيد ذلك أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يشغل يوم الأحزاب عن صلاة العصر فقط بل شغل عن الظهر والعصر معا كما ورد من طريق أخرى فكأنه أراد بالصلاة الوسطى الظهر وعطف عليها العصر، ومع هذين الاحتمالين لا يتأتى الاستدلال بالحديث والاحتمال الأول أقوى للرواية المشار إليها، ويؤيده من خارج أنه لو ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تفسير أنها العصر لوقف الصحابة عنده ولم يختلفوا، وقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه، ثم على تقدير عدم الاحتمالين فالحديث معارض بالحديث المرفوع أنها الظهر، وإذا تعارض الحديثان، ولم يمكن الجمع طلب الترجيح، وقد ذكر الأصوليون أن من المرجحات أن يذكر السبب، والحديث الوارد في أنها الظهر مبين فيه سبب النزول ومساق لذكرها بطريق القصد بخلاف
حديث «شغلونا» إلخ
فوجب الرجوع إليه، وهو ما
أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد عن زيد بن ثابت قال: «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على الصحابة منها فنزلت حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى
»
وأخرج أحمد من وجه آخر عن زيد أيضا «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وتجارتهم فأنزل الله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ إلخ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم»
ويؤكد كونها غير العصر ما
أخرجه مسلم وغيره من طرق عن أبي يونس مولى عائشة قال: «أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا فأملت عليّ- حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر- وقالت: سمعتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم»
والعطف يقتضي المغايرة، وأخرج مالك وغيره من طرق أيضا عن عمرو بن رافع قال: «كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأملت عليّ- حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر- وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عبد الله بن رافع أنه كتب لأم سلمة مصحفا فأملت عليه مثل ما أملت عائشة وحفصة» وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ كذلك، وأخرج أيضا عن أبي رافع مولى حفصة قال: «كتبت مصحفا لحفصة فقالت اكتب- حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر- فلقيت أبيّ بن كعب فقال: هو كما قالت أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا» وهذا يدل على أن الصحابة فهموا من هذه القراءة أنها الظهر هذا، وعن الربيع بن خيثم وأبي بكر الوراق أنها إحدى الصلوات الخمس ولم يعينها الله تعالى وأخفاها في جملة «الصلوات» المكتوبة ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان. واسمه الأعظم في جميع الأسماء وساعة الإجابة في ساعات الجمعة
وقرأ عبد الله وعلي الصَّلاةِ الْوُسْطى
وروي عن عائشة وَالصَّلاةِ بالنصب على المدح والاختصاص، وقرأ نافع- الوصطى- بالصاد وَقُومُوا لِلَّهِ أي في الصلاة قانِتِينَ أي مطيعين كما هو أصل معنى القنوت عند بعض وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو ذاكرين له تعالى في القيام بناء على أن القنوت هو الذكر فيه، وقيل: خاشعين، وقيل: مكملين الطاعة ومتميها على أحسن وجه من غير إخلال بشيء مما