بالباء إلخ فيه منع ظاهر، وقدر بعضهم الفعل قبل الجار فقال: وصينا الإنسان بأن يحسن بوالديه إحسانا، ولعل التنوين للتفخيم أي إحسانا عظيما، والإيصاء والوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم: أرض واصية متصلة النبات، ففي الآية إشعار بأن الإحسان بهما أمر معتنى به، وقد عد في الحديث ثاني أفضل الأعمال وهو الصلاة لأول وقتها، وعد عقوقهما ثاني أكبر الكبائر وهو الإشراك بالله عز وجل، والأحاديث في الترغيب في الأول والترهيب عن الثاني كثيرة جدا، وفي الآيات ما فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وقرأ الجمهور «حسنا» بضم الحاء وإسكان السين أي فعلا ذا حسن أو كأنه في ذاته نفس الحسن لفرط حسنه، وجوز أبو حيان فيه أن يكون بمعنى إِحْساناً فالأقوال السابقة تجري فيه.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي.
وعيسى «حسنا» بفتح الحاء والسين
، وعن عيسى «حسنا» بضمهما.
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً أي ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة كما قال مجاهد والحسن وقتادة، وليس الكره في أول علوقها بل بعد ذلك حين تجد له ثقلا. وقرأ شيبة وأبو جعفر والحرميان «كرها» بفتح الكاف وهما لغتان بمعنى واحد كالفقر والفقر والضعف والضعف، وقيل: المضموم اسم والمفتوح مصدر.
وقال الراغب: قيل الكره أي بالفتح المشقة التي تنال الإنسان من خارج مما يحمل عليه بإكراه والكره ما يناله من ذاته وهو ما يعافه من حيث الطبع أو من حيث العقل أو الشرع. وطعن أبو حاتم في هذه القراءة فقال: لا تحسن هذه القراءة لأن الكره بالفتح الغصب والغلبة. وأنت تعلم أنها في السبعة المتواترة فلا معنى للطعن فيها، وقد كان هذا الرجل يطعن في بعض القراءات بما لا علم له به جسارة منه عفا الله تعالى عنه وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ أي مدة حمله وفصاله، وبتقدير هذا المضاف يصح حمل قوله تعالى: ثَلاثُونَ شَهْراً على المبتدأ من غير كره.
والفصال الفطام وهو مصدر فاصل فكأن الولد فاصل أمه وأمه فاصلته. وقرأ أبو رجاء والحسن وقتادة ويعقوب والجحدري «وفصله» أي فطمه فالفصل والفصال كالفطم والفطام بناء ومعنى وقيل: الفصال بمعنى وقت الفصل أي الفطم فهو معطوف على مدة الحمل، والمراد بالفصال الرضاع التام المنتهي بالفطام ولذلك عبر بالفصال عنه أو عن وقته دون الرضاع المطلق فإنه لا يفيد ذلك، وفي الوصف تطويل، والآية بيان لما تكابده الأم وتقاسيه في تربية الولد مبالغة في التوصية لها، ولذا اعتنى الشارع ببرها فوق الاعتناء ببر الأب،
فقد روي «أن رجلا قال: يا رسول الله من أبر؟
قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك»
وقد أشير في الآية إلى ما يقتضي البر بها على الخصوص في ثلاث مراتب فتكون الأوامر في الخبر كالمأخوذة من ذلك. واستدل بها علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وجماعة من العلماء على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لما أنه إذا حط عن الثلاثين للفصال حولان لقوله تعالى: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣] يبقى للحمل ذلك وبه قال الأطباء، قال جالينوس: كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة.
وادعى ابن سينا أنه شاهد ذلك.
وأما أكثر مدة الحمل فليس في القرآن العظيم ما يدل عليه وقال ابن سينا في الشفاء: بلغني من جهة من أثق به كل الثقة أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل ولدا نبتت أسنانه، وحكي عن أرسطو أنه قال: أزمنة الحمل لكل حيوان مضبوطة سوى الإنسان فربما وضعت المرأة لسبعة أشهر وربما وضعت لثمانية وقلما يعيش الولد في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر، ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر، وتحقق ارتباط حكم النسب