الرمل وطرحتهم في البحر فهو قوله تعالى: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ.
وروي أن أول من أبصر العذاب امرأة منهم رأت ريحا فيها كشهب النار،
وروي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع
، وعن ابن عباس أنه عليه السلام اعتزل ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين به الجلود وتلذه الأنفس، وأنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وكانت كما أخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير عن عمرو بن ميمون تجيء بالرجل الغائب، ومر في سورة الأعراف مما يتعلق بهم ما مر فارجع إليهم إن أردته، ولما أصابهم من الريح ما أصابهم كان صلّى الله عليه وسلّم يدعو إذا عصفت الريح.
أخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وعبد بن حميد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به فإذا أخيلت السماء تغير لونه صلّى الله عليه وسلّم وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سري عنه فسألته فقال عليه الصلاة والسلام: لا أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض ممطرنا»
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ أي قررنا عادا وأقدرناهم، و (ما) في قوله تعالى: فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ موصولة أو موصولة وإِنْ نافية أي في الذي أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات كما في قوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ [الأنعام: ٦] ولم يكن النفي بلفظ «ما» كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى، ولذا قال من ذهب إلى أن أصل مهما ما ما على أن ما الشرطية مكررة للتأكيد قلبت الألف الأولى هاء فرارا من كراهة التكرار، وعابوا على المتنبي قوله:
لعمرك ما ما بأن منك لضارب ... بأقتل مما بان منك لعائب
أي ما الذي بأن إلخ، يريد لسانه لا يتقاعد عن سنانه هذا للعائب وذلك للضارب، وكان يسعه أن يقول: إن ما بان، وإدخال الباء للنفي لا للعمل على أن إعمال إن قد جاء عن المبرد، وقيل: إِنْ شرطية محذوفة الجواب والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم، وقيل: إنها صلة بعد ما الموصولة تشبيها بما النافية وما التوقيتية، فهي في الآية مثلها في قوله:
يرجّي المرء ما أن لا يراه ... وتعرض دون أدناه الخطوب
أي مكناهم في مثل الذي مكناكم فيه، وكونها نافية هو الوجه لأن القرآن العظيم يدل عليه في ما وضع وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث على الاعتبار وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعمها عزّ وجلّ ويداوموا على شكره جلّ شأنه فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل وَلا أَبْصارُهُمْ حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المرسومة في صحائف العالم وَلا أَفْئِدَتُهُمْ حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى مِنْ شَيْءٍ أي شيئا من الإغناء، ومِنْ مزيدة للتوكيد والتنوين للتقليل.
وجوز أن تكون تبعيضية أي ما أغنى بعض الإغناء وهو القليل، و (ما) في فَما أَغْنى نافية وجوز كونها استفهامية. وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة مِنْ في الواجب وهو لا يجوز على الصحيح. ورد بأنهم قالوا: تزاد في غير الموجب وفسروه بالنفي والنهي والاستفهام، وإفراد السمع في النظم الجليل وجمع غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات وتعدد مدركات غيره أو لأنه في الأصل مصدر، وأيضا مسموعهم من الرسل متحد.