للحرب مجاز أو بتقدير مضاف، والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وفيه أنه لا يستحسن إضافة الأوزار بمعنى الآثام إلى الحرب، وحَتَّى عند الشافعي عليه الرحمة ومن قال نحو قوله: غاية للضرب، والمعنى اضربوا أعناقهم حتى تنقضي الحرب، وليس هذا بدلا من الأول ولا تأكيدا له بناء على ما قرروه من أن حتى الداخلة على إذا الشرطية ابتدائية أو غاية للشد أو للمن والفداء معا أو للمجموع من قوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ إلخ بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم، وقيل: بنزول عيسى عليه السلام، وروي ذلك عن سعيد بن جبير. والحسن،
وفي الحديث ما يؤيده أخرج أحمد والنسائي وغيرهما عن سلمة بن نفيل قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله إن الخيل قد سيبت ووضع السلاح وزعم أقوام أن لا قتال وإن قد وضعت الحرب أوزارها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذبوا فالآن جاء القتال ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون في سبيل الله لا يضرهم من خالفهم يزيغ الله تعالى قلوب قوم ليرزقهم منهم وتقاتلون حتى تقوم الساعة ولا تزال الخيل معقودا في نواصيها الخير حتى تقوم الساعة ولا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج»
وهي عند من يقول: لا منّ ولا فداء اليوم غاية للمن والفداء إن حمل على الحرب على حرب بدر بجعل تعريفه للعهد، والمعنى المن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها، وغاية للضرب والشد إن حملت على الجنس، والمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب أوزارها بأن لا يبقى للمشركين شوكة، ولا تجعل غاية للمن والفداء مع إرادة الجنس.
وفي زعم جوازه والتزام النسخ كلام فتأمل ذلِكَ أي الأمر ذلك أو افعلوا ذلك فهو في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أو في محل نصب مفعول لفعل كذلك، والإشارة إلى ما دل عليه قوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ إلخ لا إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا لأن افعلوا لا يقع على جميع السالف وعلى الرفع ينفك النظم الجليل إن لم يحمل عليه لأن ما بعد كلام فيهم وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ لانتقم منهم ببعض أسباب الهلاك من خسف أو رجفة أو غرق أو موت جارف وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ولكن أمركم سبحانه بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فينالوا الثواب ويخلد في صحف الدهر ما لهم من الفضل الجسيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم عزّ وجلّ ببعض انتقامه سبحانه فيتعظ به بعض منهم ويكون سببا لإسلامه واللام متعلقة بالفعل المقدر الذي ذكرناه وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي استشهدوا.
وقرأ الجمهور «قاتلوا» أي جاهدوا، والجحدري بخلاف عنه «قتلوا» بفتح القاف والتاء بلا ألف، وزيد بن ثابت والحسن وأبو رجاء وعيسى والجحدري أيضا «قتّلوا» بالبناء للمفعول وشد التاء.
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ فلن يضيعها سبحانه،
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه «يضلّ» مبنيا للمفعول
«أعمالهم» بالرفع على النيابة عن الفاعل. وقرىء «يضلّ» بفتح الياء من ضل «أعمالهم» بالرفع على الفاعلية. والآية قال قتادة: كما
أخرجه عنه ابن جرير. وابن أبي حاتم ذكر لنا أنها نزلت في يوم أحد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون يومئذ أعل هبل ونادى المسلمون الله أعلى وأجل فنادى المشركون يوم بيوم بدر وان الحرب سجال لنا عزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الله مولانا ولا مولى لكم إن القتلى مختلفة أما قتلانا فأحياء مرزوقون وأما قتلاكم ففي النار يعذبون»
ومنه يعلم وجه قراءة «قتلوا» بصيغة التفعيل سَيَهْدِيهِمْ سيوصلهم إلى ثواب تلك الأعمال من النعيم المقيم والفضل العظيم، وهذا كالبيان لقوله سبحانه: فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ أو سيثبت جلّ شأنه في الدنيا هدايتهم، والمراد الوعد بأن يحفظهم سبحانه ويصونهم عما يورث الضلال وحبط الأعمال، وهو كالتعليل لذلك، ويجوز أن يكون كالبيان له أيضا.