لذاته إلا الله تعالى فكل ما سواه فهو ممكن وهو المطلوب، أو يقال: إنها قد دلت على أنه تعالى هو النافع الضار على الإطلاق فهو الجامع لصفات الجلال والإكرام فهو سبحانه المتصف بصفات الكمال كلها وهو المطلوب.
وأما الثالث فقد قال حجة الإسلام الغزالي في باب الصدق من الاحياء: كل ما تقيد العبد به فهو عبد له كما
قال عيسى عليه السلام: يا عبيد الدنيا
،
وقال نبينا صلّى الله عليه وسلّم: «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة»
سمي كل من تقيد قلبه بشيء عبدا له، وقال في باب الزهد منه: من طلب غير الله تعالى فقد عبده وكل مطلوب معبود، وكل طالب عبد بالإضافة إلى مطلبه، وقال في الباب الثالث من كتاب العلم منه. كل متبع هواه فقد اتخذ هواه معبودا قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣]
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أبغض إله عبد في الأرض عند الله تعالى هو الهوى»
انتهى.
ومن المعلوم أنه ما في الوجود شيء إلا وهو مطلوب لطالب ما وقد صح بما مر إطلاق الإله عليه ولا إله إلا الله فما في الوجود حقيقة إلا الله ومنهم من قرر دلالة الكلمة الطيبة على توحيد الذات ونفي وجود أحد سواه عزّ وجلّ بوجه آخر، وهو أن إِلَّا بمعنى غير بدل من الإله المنفي فيكون النفي في الحقيقة متوجها إلى الغير ونفي الغير توحيد حقيقي عندهم. وإذا تبين لك دلالتها على جميع مراتل التوحيد لاح لك أن الشارع لأمر ما جعلها مفتاح الإسلام وأساس الدين ومهداة الأنام:
وفي حديث أخرجه أبو نعيم عن عياض الأشعري أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا إله إلا الله كلمة كريمة ولها عند الله مكان جمعت وسولت (١) من قالها صادقا من قلبه دخل الجنة»
وفي حديث أخرجه ابن النجار عن دينار عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله تعالى من قالها مخلصا استوجب الجنة»
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقينا بها قلبه فبشره بالجنة»
وحديث البطاقة أشهر من أن يذكر، وكذا الحديث القدسي المروي عن علي الرضا عن آبائه عليهم السلام،
وجاء «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»
أي بلا حساب وإلا فما الفرق بين ذلك ومن قالها ولم تكن آخر كلامه من الدنيا، وبالجملة إن فضلها لا يحصى وإنها لتوصل قائلها إلى المقام الأقصى، وقد ألفت كتب في فضلها وكيفية النطق بها وآداب استعمالها فلا نطيل الكلام في ذلك.
بقي هاهنا بحث وهو أن المسلمين أجمعوا على وجوب معرفة الله تعالى وإن اختلفوا في كونه شرعيا أو عقليا، وأما النظر في معرفته تعالى لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية فقد قال العلامة التفتازاني في شرح المقاصد: لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوبه لأنه أمر مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق الذي هو المعرفة، وكل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا أن كان وجوب الواجب المطلق شرعيا كما هو رأي الأصحاب وعقلا إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة لئلا يلزم تكليف المحال، أما كون النظر مقدورا فظاهر، وأما توقف المعرفة عليه فلأنها ليست بضرورية بل نظرية، ولا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر ويتحصل به، وظاهر كلام السند في شرح المواقف إجماع المسلمين كافة على ذلك أيضا. والحق وقوع الخلاف في وجوب النظر كما يدل عليه كلام ابن الحاجب في مختصره، والعضد في شرحه، وكلام التاج السبكي في جمع الجوامع، والجلال المحلي في شرحه، وقول شيخ الإسلام في حاشيته عليه: محل الخلاف في وجوب النظر في أصول الدين وعدم وجوبه في غير معرفة الله تعالى منها أما النظر فيها فواجب إجماعا كما ذكره السعد التفتازاني كغيره اعترضه المحقق ابن قاسم العبادي في حاشيته الآيات
(١) قوله وسولت كذا في غير نسخة بسين مهملة ولام وليراجع مستخرج أبي نعيم. [.....]