للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أولاد الأخوات لأبوين أو لأب وعمات الآباء وظاهر كلام الأئمة في قوله عليه الصلاة والسلام من ملك ذا رحم محرم فهو حر دخول الأبوين والولد في ذي الرحم لغة حيث أجمعوا على أنهم يعتقون على من ملكهم لهذا الخبر وإن اختلفوا في عتق غيرهم، وصرح ابن حجر الهيثمي في الزواجر بأن الأولاد من الأرحام وظاهر عطف الأقربين على الوالدين في الآية يقتضي عدم دخولهما في الأقارب فلا يدخلون في الأرحام لأنهم كما قالوا الأقارب، وكلام فقهائنا نص في عدم دخول الوالدين والولد في ذلك حيث قالوا: إذا أوصى لأقاربه أو لذوي قرابته أو لأرحامه فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم ولا يدخل الوالدان والولد، وأما الجد وولد الولد فنقل أبو السعود عن العلامة قاسم عن البدائع أن الصحيح عدم دخولهما، واختاره في الاختيار وعلله بأن القريب من يتقرب إلى غيره بواسطة غيره وتكون الجزئية بينهما منعدمة، وفي شرح الحموي أن دخولهما هو الأصح. وفي متن المواهب وأدخل أي محمد الجد والحفدة وهو الظاهر عنهما، وذكر أن مثل الجد والجدة وقد يقال: إن عدم دخول الوالدين والولد في ذلك وكذا الجد والحفدة عند من يقول بعدم دخولهم ليس لأن اللفظ لا يصدق عليهم لغة بل لأنه لا يصدق عليهم عرفا وهم اعتبروا العرف كما قال الطحطاوي في أكثر مسائل الوصية. وفي جامع الفصولين أن مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف، وما ذكره في المعراج من خبر من سمى والده قريبا عقه لا يدل على أنه ليس قريبا لغة بل هو بيان حكم شرعي مبناه أن في ذلك إيذاء للوالد وحطا من قدره عرفا، وهذا كما لو ناداه باسمه وكان يكره ذلك، وأمر العطف في الآية الكريمة سهل لجواز عطف العام على الخاص كعطف الخاص على العام، فالذي يترجح عندي أن الأرحام كما صرحوا به الأقارب بالقرابة الغير السببية والمراد ما يقابل الأجانب ويدخل فيهم الأصول والفروع والحواشي من قبل الأب أو من قبل الأم وحرمة قطع كل لا شك فيها لأنه على ما قلنا رحم، والآية ظاهرة في حرمة قطع الرحم. وحكى القرطبي في تفسيره اتفاق الأمة على حرمة قطعها ووجوب صلتها، ولا ينبغي التوقف في كون القطع كبيرة، والعجب من الرافعي عليه الرحمة كيف توقف في قول صاحب الشامل: إنه من الكبائر، وكذا تقرير النووي قدس سره له على توقفه، واختلف في المراد بالقطيعة فقال أبو زرعة: ينبغي أن تختص بالإساءة، وقال غيره: هي ترك الإحسان ولو بدون إساءة لأن الأحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة ولا واسطة بينهما، والصلة إيصال نوع من أنواع الإحسان كما فسرها بذلك غير واحد فالقطيعة ضدها فهي ترك الإحسان. ونظر فيه الهيثمي بناء على تفسير العقوق بأن يفعل مع أحد أبويه ما لو فعله مع أجنبي كان محرما صغيرة فينتقل بالنسبة إلى أحدهما كبيرة وان الأبوين أعظم من بقية الأقارب ثم قال: فالذي يتجه ليوافق كلامهم وفرقهم بين العقوق وقطع الرحم أن المراد بالأول

أن يفعل مع أحد الأبوين ما يتأذى به فإن كان التأذي ليس بالهين عرفا كان كبيرة وإن لم يكن محرما لو فعله مع الغير وبالثاني قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان بغير عذر شرعي لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش القلوب وتأذيها، فلو فرض أن قريبه لم يصل إليه إحسان ولا إساءة قط لم يفسق بذلك لأن الأبوين إذا فرض ذلك في حقهما من غير أن يفعل معهما ما يقتضي التأذي العظيم لغناهما مثلا لم يكن كبيرة فأولى بقية الأقارب ولو فرض أن الإنسان لم يقطع عن قريبه ما ألفه منه من الإحسان لكنه فعل معه محرما صغيرة أو قطب في وجهه أو لم يقم له في ملأ ولا عبأ به لم يكن ذلك فسقا بخلافه مع أحد الأبوين لأن تأكد حقهما اقتضى أن يتميزا على بقية الأقارب بما لا يوجد نظيره فيهم وعلى ضبط الثاني بما ذكرته فلا فرق بين أن يكون الإحسان الذي ألفه منه قريبه مالا أو مكاتبة أو مراسلة أو زيارة أو غير ذلك فقطع ذلك كله بعد فعله لغير عذر كبيرة، وينبغي أن يراد بالعذر في المال فقد ما كان يصله به أو تجدد احتياجه إليه أو أن يندبه الشارع إلى تقديم غير القريب عليه لكونه أحوج أو أصلح، فعدم الإحسان إلى القريب أو تقديم الأجنبي عليه لهذا العذر يرفع عنه وإن انقطع بسبب ذلك ما ألفه منه القريب لأنه إنما راعى أمر الشارع بتقديم الأجنبي عليه، وواضح أن القريب لو ألف

<<  <  ج: ص:  >  >>