للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كجئتك لتستقر في مقامك وتفيض علي من إنعامك أي لاجتماع الأمرين، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما. واستظهر دفعا لتوهم أنه إذا كان المقصود البعض فذكر الباقي لغو أن يقال: لا يخلو كل منهما أن يكون مقصودا بالذات وهو ظاهر أو المقصود البعض وحينئذ فذكر غيره إما لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به أو ترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد كقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: ٢٨٢] وقولك: أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه ولازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه. وظاهر كلام الزمخشري أن المقصود فيما نحن فيه تعليل الهيئة الاجتماعية فحسب فتأمل لتعرف أنه من أي الأقسام هو. واعلم أن المشهور كون العلة ما دخلته اللام لا ما تعلقت به كما هو ظاهر عبارة الكشاف لكن حقق أنها إذا دخلت على الغاية صح أن يقال:

إن ما بعدها علة ويراد بحسب التعقل وأن يقال: ما تعلقت به علة ويراد بحسب الوجود فلا تغفل. وزعم صاحب الغنيان أن اللام هاهنا هي لام القسم وكسرت وحذف النون من الفعل تشبيها بلام كي. ورد بأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها فإنه لم يسمع والله ليقوم زيد على معنى ليقومن زيد، وانتصر له بأن الكسر قد علل بتشبيهها بلام كي.

وأما النصف فله أن يقول فيه: بأنه ليس نصبا وإنما هو الحركة التي تكون مع وجود النون بقيت بعد حذفها دلالة على الحذف. وأنت تعلم أنه لا يجدي نفعا مع عدم السماع، هذا والالتفات إلى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات قيل: للإشعار بأن كل واحد مما انتظم في سلك الغاية من أفعاله تعالى صادر عنه عز وجل من حيثية غير حيثية الآخر مترتبة على صفة من صفاته جل شأنه.

وقال الصدر لا يبعد أن يقال: إن التعبير عنه تعالى في مقام المغفرة بالاسم الجليل المشعر بصفات الجمال والجلال يشعر بسبق مغفرته تعالى على عذابه. وفي البحر لما كان الغفران وما بعده يشترك في إطلاقه الرسول عليه الصلاة والسلام وغيره لقوله تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨] وقوله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: ٣] وقوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة: ٤٠، ٤٧، ١٢٢] وقوله عز وجل: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة: ١٤٢ وغيرها] وقوله تبارك وتعالى: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات: ١٧٢] وكان الفتح مختصا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم أسنده الله تعالى إلى نون العظمة تفخيما لشأنه وأسند تلك الأشياء إلى الاسم الظاهر وضميره وهو كما ترى وإن قاله الإمام أيضا، وأقول: يمكن أن يكون في إسناد المغفرة إليه تعالى بالاسم الأعظم بعد إسناد الفتح إليه تعالى بنون العظمة إيماء إلى أن المغفرة مما يتولاها سبحانه بذاته وأن الفتح مما يتولاه جل شأنه بالوسائط، وقد صرح بعضهم بأن عادة العظماء أن يعبروا عن أنفسهم بصيغة المتكلم مع الغير لأن ما يصدر عنهم في الأكثر باستخدام توابعهم، ولا يعترض بأن النصر كالفتح وقد أسند إلى الاسم الجليل لما لا يخفى عليك، وتقديم لَكَ على المفعول الصريح أعني قوله تعالى: ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ لما مر غير مرة، وما للعموم والمتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل، والمراد بالذنب ما فرط من خلاف الأولى بالنسبة إلى مقامه عليه الصلاة والسلام فهو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد يقال: المراد ما هو ذنب في نظره العالي صلّى الله عليه وسلّم وإن لم يكن ذنبا ولا خلاف الأولى عنده تعالى كما يرمز إلى ذلك الإضافة.

وقال الصدر: يمكن أن يكون قوله تعالى: لِيَغْفِرَ إلخ كناية عن عدم المؤاخذة أو من باب الاستعارة التمثيلية من غير تحقق معاني المفردات. وأخرج ابن المنذر عن عامر. وأبي جعفر أنهما قالا: ما تقدم في الجاهلية وما تأخر في الإسلام، وقيل ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد وليس بشيء مع أن العكس أولى لأن حديث امرأة زيد متقدم. وفي الآية مع ما عهد من حاله صلّى الله عليه وسلّم من كثرة العبادة ما يدل على شرف مقامه إلى حيث لا تحيط به عبارة،

وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>