قولا يصح لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفوس عليها على أن الإيمان لما ثبت في الأزمنة نزل تجدد أزمانه منزلة تجدده وازدياده فاستعير له ذلك ورشح بكلمة مع، وقيل: ازدياد الإيمان بازدياد ما يؤمن به، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أول ما أتاهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم التوحيد ثم الصلاة والزكاة ثم الحج والجهاد فازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ومن قال: الأعمال من الإيمان قال بأنه نفسه أي الإيمان المركب من ذلك وغيره يزيد وينقص ولم يحتج في الآية إلى تأويل بل جعلها دليلا له، وتفصيل الكلام في هذا المقام أنه ذهب جمهور الأشاعرة والقلانسي والفقهاء والمحدثون والمعتزلة إلى أن الإيمان يزيد وينقص ونقل ذلك عن الشافعي ومالك، وقال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، واحتجوا على ذلك بالعقل والنقل، أما الأول فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة المنهمكين في الفسق والمعاصي مساويا لإيمان الأنبياء عليهم السلام مثلا واللازم باطل فكذا الملزوم، وأما الثاني فلكثرة النصوص في هذا المعنى، منها الآية المذكورة، ومنها ما
روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قلنا: يا رسول الله ان الإيمان يزيد وينقص قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار
، ومنها ما
روي عن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به»
واعترض بأن عدم قبول الإيمان الزيادة والنقص على تقدير كون الطاعات داخلة في مسماه أولى وأحق من عدم قبوله ذلك إذا كان مسماه التصديق وحده.
أما أولا فلأنه لا مرتبة فوق كل الأعمال لتكون زيادة ولا إيمان دونه ليكون نقصا، وأما ثانيا فلأن أحدا لا يستكمل من مقولة الكم وإنما قيل هو كيف أو انفعال أو إضافة وتعلق بين العالم والمعلوم أو صفة ذات إضافة والأشهر أنه كيف فمتى صح ذلك وقلنا بمغايرة الشدة والضعف للزيادة والنقص فلا بأس بحملهما في النصوص وغيرها على الشدة والضعف وذلك مجاز مشهور، وإنكار اتصاف الإيمان بهما يكاد يلحق بالمكابرة فتأمل، وذكر بعضهم هنا أن الإيمان الذي هو مدخول مع هو الإيمان الفطري والإيمان المذكور قبله الإيمان الاستدلالي فكأنه قيل: ليزدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري، وفيه من الخفاء ما فيه وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يدبر أمرها كيفما يريد فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع سبحانه بينها السلم أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح، ومن قضية ذلك ما وقع في الحديبية وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً مبالغا في العلم بجميع الأمور حَكِيماً في تقديره وتدبيره عز وجل.
وقوله سبحانه لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها متعلق بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له جل شأنه من معنى التصرف والتدبير، وقد صرح بعض الأفاضل بأنه كناية عنه أي دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله تعالى في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة فالعلة في الحقيقة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت سببا لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب. وقيل: متعلق بفتحنا، وقيل: بأنزل، وتعلقه بذلك مع تعلق اللام الأخرى به مبني على تعلق الأول به مطلقا والثاني مقيدا وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين وإلا فلا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع، وقيل: متعلق بينصرك، وقيل:
بيزداد، وقيل: بجميع ما ذكر إما على التنازع والتقدير أو بتقدير ما يشمل ذلك كفعل سبحانه ما ذكر ليدخل إلخ، وقيل: هو بدل من ليزداد بدل اشتمال فإن إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وكذا ما عطف عليه مستلزم لزيادة الإيمان وبدل الاشتمال يعتمد على ملابسة ما بين المبدل والمبدل منه بحيث يشعر أحدهما بالآخر غير الكلية والبعضية، ولعل