الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قيل: وهذا إنما يحتاج إليه بعد إقامة قاطع على امتناع قبول التصديق الزيادة والنقص ومتى لم يقم قاطع على ذلك كان الأولى إبقاء الظواهر على حالها، وقال الخطابي: الإيمان قول وهو لا يزيد ولا ينقص وعمل وهو يزيد وينقص واعتقاد وهو يزيد ولا ينقص فإذا نقص ذهب واعترض أنه إذا زاد ثم عاد إلى ما كان فقد نقص ولم يذهب.
ودفع بأن مراده أن الاعتقاد باعتبار أول مراتبه يزيد ولا ينقص لا أن الاعتقاد مطلقا كذلك، وذهب جماعة منهم الإمام الرازي. وإمام الحرمين إلى أن الخلاف لفظي وذلك بحمل قول النفي على أصل الإيمان وهو التصديق فلا يزيد ولا ينقص وحمل قول الإثبات على ما به كماله وهو الأعمال فيكون الخلاف في هذه المسألة فرع الخلاف في تفسير الإيمان، والحق أنه حقيقي لما سمعت عن الإمام النووي ومن معه من أن التصديق نفسه يزيد وينقص.
وقال بعض المحققين: إن الزيادة والنقص من خواص الحكم والتصديق قسم من العلم ولم يقل أحد بأنه أعربت حالا، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن عَظِيماً لا ضير فيه كما توهم أي كائنا عند الله تعالى أي في علمه سبحانه وقضائه جل شأنه، والجملة اعتراض مقرر لما قبله، وقوله تعالى:
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ عطف على يدخل أي وليعذب المنافقين إلخ ليغيظهم من ذلك، وهو ظاهر على جميع الأوجه السابقة في لِيُدْخِلَ حتى وجه البدلية فإن بدل الاشتمال تصححه الملابسة كما مر، وازدياد الإيمان على ما ذكرنا في تفسيره مما يغيظهم بلا ريب، وقيل: إنه على هذا الوجه يكون عطفا على المبدل منه، وتقديم المنافقين على المشركين لأنهم أكثر ضررا على المسلمين فكان في تقديم تعذيبهم تعجيل المسرة.
الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أنه عز وجل لا ينصر رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، وقيل: المراد به ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك أو غيره عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «دائرة السّوء» بالضم، والفرق بينه وبين السَّوْءِ بالفتح على ما في الصحاح أن المفتوح مصدر والمضموم اسم مصدر بمعنى المساءة.
وقال غير واحد: هما لغتان بمعنى كالكره والكره عند الكسائي وكلاهما في الأصل مصدر غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر، ولما كانت الدائرة هنا محمودة وأضيفت إلى المفتوح في قراءة الأكثر تعين على هذا أن يقال: إن ذاك على تأويل أنها مذمومة بالنسبة إلى من دارت عليه من المنافقين والمشركين واستعمالها في المكروه أكثر وهي مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل، وإضافتها على ما قال الطيبي من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة، وفي الكشف الإضافة بمعنى من على نحو دائرة ذهب فتدبر.
والكلام إما إخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم، وقوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ عطف على ذلك، وكان الظاهر فلعنهم فأعد بالفاء في الموضعين لكنه عدل عنه للإشارة إلى أن كلا من الأمرين مستقل في الوعيد به من غير اعتبار للسببية فيه وَساءَتْ مَصِيراً جهنم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذكر سابقا على أن المراد أنه عز وجل المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيل بقوله تعالى: عَلِيماً حَكِيماً وهاهنا أريد به التهديد بأنهم في قبضة قدرة المنتقم ولذا ذيل بقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فلا تكرار كما قال الشهاب، وقيل: إن الجنود جنود رحمة وجنود عذاب، والمراد به هنا الثاني كما ينبىء عنه التعرض لوصف العزة.