عن قتادة، والضمير لله عز وجل، ونصرته سبحانه بنصرة دينه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وَتُوَقِّرُوهُ أي تعظموه كما قال قتادة وغيره، والضمير له تعالى أيضا، وقيل: كلا الضميرين للرسول صلّى الله عليه وسلّم وروي عن ابن عباس، وزعم بعضهم أنه يتعين كون الضمير في تُعَزِّرُوهُ للرسول عليه الصلاة والسلام لتوهم أن التعزير لا يكون له سبحانه وتعالى كما يتعين عند الكل كون الضمير في قوله تعالى: وَتُسَبِّحُوهُ لله سبحانه وتعالى، ولا يخفى أن الأولى كون الضميرين فيما تقدم لله تعالى أيضا لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة أي وتنزهوا الله تعالى أو تصلوا له سبحانه من السبحة بُكْرَةً وَأَصِيلًا غدوة وعشيا، والمراد ظاهرهما أو جميع النهار ويكنى عن جميع الشيء بطرفيه كما يقال شرقا وغربا لجميع الدنيا، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر، وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة. أعني لتؤمنوا وما بعده. بياء الغيبة، وعن ابن مسعود. وابن جبير كذلك إلا أنهما قرءا «ويسبحوا الله» بالاسم الجليل مكان الضمير، وقرأ الجحدري «تعزروه» بفتح التاء الفوقية وضم الزاي مخففا، وفي رواية عنه
فتح التاء وكسر الزاي مخففا وروي هذا عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه
، وقرىء بضم التاء وكسر الزاي مخففا، وقرأ ابن عباس ومحمد بن اليماني «تعزّروه» بزاءين من العزة أي تجعلوه عزيزا وذلك بالنسبة إليه سبحانه بجعل دينه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم كذلك. وقرىء «وتوقروه» من أوقره بمعنى وقره إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يوم الحديبية على الموت في نصرتك كما روي عن سلمة بن الأكوع وغيره أو على أن لا يفروا من قريش كما روي عن ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم، وسيأتي الكلام في تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى، والمبايعة وقعت قبل نزول الآية فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحال الماضية، وهي مفاعلة من البيع يقال: بايع السلطان مبايعة إذا ضمن بذلك الطاعة له بما رضخ له، وكثيرا ما تقال على البيعة المعروفة للسلاطين ونحوهم وإن لم يكن رضخ، وما وقع للمؤمنين قيل يشير إلى ما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ [التوبة: ١١١] الآية إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأن المقصود من بيعة الرسول عليه الصلاة والسلام وإطاعته إطاعة الله تعالى وامتثال أوامره سبحانه لقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء: ٨٠] فمبايعة الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه مشاكلة أو هو صرف مجاز، وقرىء «إنما يبايعون لله» أي لأجل الله تعالى ولوجهه، والمفعول محذوف أي إنما يبايعونك لله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ استئناف مؤكد لما قبله لأنه عبارة عن المبايعة. قال في الكشاف لما قال سبحانه: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أكده على طريقة التخييل فقال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وأنه سبحانه منزه عن الجوارح وصفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما. وفي المفتاح أما حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك: فلان بين أنياب المنية ومخالبها تم إذا انضم إليها المشاكلة كما في يَدُ اللَّهِ إلخ كانت أحسن وأحسن، يعني أن في اسم الله تعالى استعارة بالكناية تشبيها له سبحانه وتعالى بالمبايع واليد استعارة تخييلية مع أن فيها أيضا مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس، وامتناع الاستعارة في اسم الله تعالى إنما هو في الاستعارة التصريحية دون المكنية لأنه لا يلزم إطلاق اسمه تعالى على غيره سبحانه، وروى الواحدي عن ابن كيسان اليد القوة أي قوة الله تعالى ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم أي ثق بنصرة الله تعالى لك لا بنصرتهم وإن بايعوك.
وقال الزجاج: المعنى يد الله في الوفاء فوق أيديهم أو في الثواب فوق أيديهم في الطاعة أو يد الله سبحانه في المنة عليهم في الهداية فوق أيديهم في الطاعة، وقيل: المعنى نعمة الله تعالى عليهم بتوفيقهم لمبايعتك فوق نعمتهم وهي مبايعتهم إياك وأعظم منها، وفيه شيء من قوله تعالى: قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ [الحجرات: ١٧] وكل ذلك تأويلات ارتكبها الخلف وأحسنها ما ذكر أولا، والسلف يمرون الآية كما جاءت