للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه انتهى، وهو كلام أوهى من بيت العنكبوت لأن في التعميم إفادة لما ذكر وزيادة تفيد قوة وبلاغة، والظاهر أن كلا من الإضرابات الثلاثة مقصود، وقال شيخ الإسلام: إن قوله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ إلخ بدل من كانَ اللَّهُ إلخ مفسر لما فيه من الإبهام. وفي البحر أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ أي لن يرجع من ذلك السفر الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أي عشائرهم وذوي قرباهم أَبَداً بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأجل ذلك تحلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة. والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على اهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديرا فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات، وقد جاء على ما في الكشاف أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال: اهلات بفتح الهاء، وكذا يجمع على أهال كليال، وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع وقيل: وهو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا. وقرأ عبد الله «إلى أهلهم» بغير ياء، والآية ظاهرة في أن لَنْ ليست للتأبيد ومن زعم إفادتها إياه جعل أَبَداً للتأكيد وَزُيِّنَ أي حسن ذلِكَ أي الظن المفهوم من ظننتم فِي قُلُوبِكُمْ فلم تسعوا في إزالته فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين وقيل: الإشارة إلى المظنون وهو عدم انقلاب الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين إلى أهليهم أبدا أي حسن ذلك في قلوبكم فاحببتموه والمراد من ذلك تقريعهم ببغضهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين والمناسب للسياق ما تقدم. وقرىء «زيّن» بالبناء للفاعل بإسناده إلى الله تعالى أو إلى الشيطان وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وهو ظنهم السابق فتعريفه للعهد الذكرى وأعيد لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء أو هو عام فيشمل ذلك الظن وسائر ظنونهم الفاسدة التي من جملتها الظن بعدم رسالته عليه الصلاة والسلام فإن الجازم بصحتها لا يحوم فكره حول ما ذكر من الاستئصال فذكر ذلك للتعميم بعد التخصيص.

وَكُنْتُمْ في علم الله تعالى الأزلي قَوْماً بُوراً أي هالكين لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم مستوجبين سخطه تعالى وعقابه جل شأنه، وقيل: أي فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم، والظاهر على ما في البحر أن بورا في الأصل مصدر كالهلك ولذا وصف به المفرد المذكر في قول ابن الزبعرى:

يا رسول الله المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور

والمؤنث حكى أبو عبيدة امرأة بور والمثنى والمجموع، وجوز أن يكون جمع بائر كحائل وحول وعائذ وعوذ وبازل وبزل، وعلى المصدرية هو مؤول باسم الفاعل، وجوز أن تكون كان بمعنى صار أي وصرتم بذلك الظن قوما هالكين مستوجبين السخط والعقاب والظاهر إبقاؤها على بابها والمضي باعتبار العلم كما أشرنا إليه، وقيل: أي كنتم قبل الظن فاسدين، وقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إلخ كلام مبتدأ من جهته عز وجل غير داخل في الكلام الملقن مقرر لبوارهم ومبين لكيفيته أي ومن لم يصدق بالله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم كدأب هؤلاء المخلفين فَإِنَّا أَعْتَدْنا هيأنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً نارا مسعورة موقدة ملتهبة وكان الظاهر. لهم. فعدل عنه إلى ما ذكر إيذانا من لم يجمع بين الإيمان بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره لمكان التعليق بالمشتق.

وتنكير سعير للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنها لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها، وقيل: لأنها نار مخصوصة فالتنكير للتنويع ومَنْ يحتمل أن تكون موصولة وأن تكون شرطية والعائد من الخبر أو من جواب الشرط هو الظاهر القائم مقام المضمر وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو عز وجل المتصرف في الكل كما يشاء يَغْفِرُ لِمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>