ووافقه الجبائي على ذلك وشنع عليهما غير واحد بأن ذلك نازل في المخلفين في غزوة تبوك من المنافقين وكانت تلك الغزوة يوم الخميس في رجب سنة تسع بلا خلاف كما قال القسطلاني والحديبية في سنة ست كما قاله ابن الجوزي. وغيره وهذه إنما نزلت بعيد الانصراف من الحديبية كما علمت وأيضا قال في البحر: قد غزت مزينة وجهينة من هؤلاء المخلفين بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام وفضلهم صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، وفي الكشف لعل القائل بذلك أراد أن هؤلاء المحلفين لما كانوا منافقين مثل المخلفين عن تبوك كان حكم الله تعالى فيهم واحدا، ألا ترى أن المعنى الموجب مشترك وهو رضاهم بالقعود أول مرة، فكلام الله تعالى أريد به حكمه السابق وهو أن المنافق لا يستصحب في الغزو، ولم يرد أن هذا الحكم منقاس على ذلك الأصل أو الآية نازلة فيهم أيضا فهذا ما يمكن في تصحيحه انتهى، ويقال عما في البحر: إن الذين غزوا بعد لم يغزوا حتى أخلصوا ولم يبقوا منافقين والله تعالى أعلم. وقرأ حمزة. والكسائي «كلم الله» وهو اسم جنس جمعي واحده كلمة قُلْ إقناطا لهم لَنْ تَتَّبِعُونا أي لا تتبعونا فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة، والمراد نهيهم عن الاتباع فيما أرادوا الاتباع فيه في قولهم: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ وهو الانطلاق إلى خيبر كما نقل عن محيي السنة عليه الرحمة، وقيل: المراد ولا تتبعونا ما دمتم مرضى القلوب، وعن مجاهد كان الموعد أي الموعد الذي تغييره تبديل كلام الله تعالى وهو موعده سبحانه لأهل الحديبية أنهم لا يتبعون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم فكأنه قيل: لن تتبعونا إلا متطوعين، وقيل: المراد التأبيد، وظاهر السياق الأول كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل أن تهيأتم للخروج معنا وذلك عند الانصراف من الحديبية فَسَيَقُولُونَ للمؤمنين عند سماع هذا النهي بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشارككم في الغنائم، وهو إضراب عن كونه بحكم الله تعالى أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدا. وقرأ أبو حيوة «تحسدوننا» بكسر السين بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ لا يفهمون إِلَّا قَلِيلًا أي إلا فهما قليلا وهو فهمهم لأمور الدنيا، وهو رد لقولهم الباطل في المؤمنين ووصف لهم بما هو أعظم من الحسد وأطم وهو الجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين، وفيه إشارة إلى ردهم حكم الله تعالى وإثباتهم الحسد لأولئك السادة من الجهل وقلة التفكر قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ذوي نجدة وشدة قوية في الحرب، وهم على ما أخرج ابن المنذر والطبراني عن الزهري بنو حنيفة مسيلمة وقومه أهل اليمامة، وعليه جماعة، وفي رواية عنه زيادة أهل الردة وروي ذلك عن الكلبي، وعن رافع بن خديج إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا بها، وعن عطاء بن أبي رباح. ومجاهد في رواية. وعطاء الخراساني. وابن أبي ليلى هم الفرس، وأخرجه ابن جرير والبيهقي في الدلائل. وغيرهما عن ابن عباس، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في الآية: دعا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لقتال فارس أعراب المدينة جهينة ومزينة الذين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم دعاهم للخروج إلى مكة، وقال عكرمة وابن جبير وقتادة: هم هوازن ومن حارب الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حنين، وفي رواية ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة التصريح بثقيف مع هوازن، وفي رواية الفريابي. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: هم هوازن وبنو حنيفة، وقال كعب: هم
الروم الذي خرج إليهم صلّى الله عليه وسلّم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة، وأخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر عن الحسن قال: هم فارس والروم، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: البارز يعني الأكراد كما في الدر المنثور، وأخرج ابن المنذر والطبراني في الكبير عن مجاهد قال: اعراب فارس وأكراد العجم، وظاهر العطف أن أكراد العجم ليسوا من اعراب فارس، وظاهر إضافة أكراد إلى العجم يشعر بأن من الأكراد ما يقال لهم أكراد العرب، ولا نعرف هذا التقسيم وإنما نعرف جيلا من الناس يقال لهم أكراد من غير إضافة إلى عرب أو عجم، وللعلماء اختلاف