العرب، وأما ادعاء العدل عن طويل، والقول بأنه عبراني وافق العربي فتكلف، ومَلِكاً حال من طالُوتَ أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن- نبيهم- لما دعا ربه أن يملكهم أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن وهب بن منبه أنه لما دعا الله تعالى قال له: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي فيه فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه منه وملكه عليهم فأقام ينتظر متى يدخل ذلك الرجل عليه وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الأدم، وقيل: كان سقاء وكان من سبط بنيامين بن يعقوب عليه السلام ولم يكن فيهم نبوة ولا ملك فخرج طالوت في ابتغاء دابة له ضلت ومعه غلام فمرا ببيت النبي فقال غلام طالوت له: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه فبينما هو عنده يذكر له شأن دابته ويسأله أن يدعو له إذ نش الدهن الذي في القرن فقام إليه النبي فأخذه ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى أن أملكك عليهم فجلس عنده وقال الناس: ملك طالوت فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم مستغربين ذلك حيث لم يكن من بيت النبوة ولا الملك.
قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا أي من أين يكون أو كيف يكون له ذلك؟ والاستفهام حقيقي أو للتعجب لا لتكذيب نبيهم والإنكار عليه في رأي، وموضعه نصب على الحال من الملك، ويكون- يجوز أن تكون الناقصة فيكون الخبر له،- وعلينا- حال من الملك أو الخبر علينا وله حال، ويجوز أن تكون التامة فيكون له متعلقا بها.
وعَلَيْنا حال وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ الواو الأولى حالية، والثانية عاطفة جامعة للجملتين أي كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هم أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال، أو لعدم ما يجبر نقصه لو كان ويلحقه بالأشراف عرفا من ذلك، وأصل- سعة- وسعة بالواو وحذفت لحذفها من يسع وكان حق الفعل كسر السين فيه ليتأتى الحذف كما في- يعد- وإنما ارتكب الفتح لحرف الحلق فهو عارض، ولذا أجري عليه حكم الكسرة ولذلك الفتح فتحت السين في المصدر ولم تكسر كما كسرت عين عدة.
قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ رد عليهم بأبلغ وجه وأكمله كأنه قيل: لا تستبعدوا تملكه عليكم لفقره وانحطاط نسبه عنكم، أما أولا فلأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اصطفاه واختاره وهو سبحانه أعلم بالمصالح لكم، وأما ثانيا فلأن العمدة وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية، وجسامة البدن ليكون أعظم خطرا في القلوب وأقوى على كفاح الأعداء ومكابدة الحروب لا ما ذكرتم وقد خصه الله تعالى بحظ وافر منهم، وأما ثالثا فلأنه تعالى مالك الملك على الإطلاق وللمالك أن يمكن من شاء من التصرف في ملكه بإذنه، وأما رابعا فلأنه سبحانه واسع الفضل يوسع على الفقير فيغنيه عَلِيمٌ بما يليق بالملك من النسيب وغيره، وفي تقديم البسطة في العلم على البسطة في الجسم إيماء إلى أن الفضائل النفسانية أعلى وأشرف من الفضائل الجسمانية بل يكاد لا يكون بينهما نسبة لا سيما ضخامة الجسم ولهذا حمل بعضهم البسطة فيه هنا على الجمال أو القوة لا على المقدار كطول القامة كما قيل: إن الرجل القائم كان يمد يده حتى ينال رأسه فإن ذلك لو كان كمالا لكان أحق الخلق به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أنه عليه الصلاة والسلام كان ربعة من الرجال، ولعل ذكر ذلك التقدير لأنه صفة تزيد الملك المطلوب لقتال العمالقة حسنا لأنهم كانوا ضخاما ذوي بسطة في الأجسام وكان ظل ملكهم جالوت ميلا على ما في بعض الأخبار لا أنها من الأمور التي هي عمدة في الملوك من حيث هم كما لا يخفى على من تحقق- أن المرء بأصغريه لا بكبر جسمه وطول برديه.