واستحكم لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام وحده ثم قواه الله تعالى بمن معه كما يقوي الطاقة الأولى ما يحتف بها مما يتولد منها، وظاهره أن الزرع هو النبي صلّى الله عليه وسلّم والشطء أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون مثلا له عليه الصلاة والسلام وأصحابه لا لأصحابه فقط كما في الأول ولكل وجهة، وروي الثاني عن الواقدي، وفي خبر أخرجه ابن جرير. وابن مردويه عن ابن عباس ما يقتضيه.
وقوله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ علة لما يعرب عنه الكلام من إيجاده تعالى لهم على الوجه الذي تضمنه التمثيل، وظاهر كلام بعضهم أنه علة للتمثيل وليس بذاك، وقيل: علة لما بعده من قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً فإن الكفار إذا سمعوا بما أعد الله تعالى للمؤمنين في الآخرة مع ما لهم في الدنيا من العزة غاظهم ذلك، وهو مع توقف تماميته بحسب الظاهر علي رضي الله تعالى عنه ما يشير إليه أيضا، فقد أخرج الحاكم وصححه عنها في قوله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ قالت: أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، وعن بعض السلف جعل جمل الآية كل جملة مشيرة إلى معين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فعن عكرمة أنه قال: أَخْرَجَ شَطْأَهُ بأبي بكر فَآزَرَهُ بعمر فَاسْتَغْلَظَ بعثمان فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ بعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وأخرج ابن مردويه والقاضي أحمد بن محمد الزهري في فضائل الخلفاء الأربعة. والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أبو بكر أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ عمر رُحَماءُ بَيْنَهُمْ عثمان تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً علي كرم الله تعالى وجهه يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً طلحة والزبير سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ بأبي بكر فَاسْتَغْلَظَ بعمر فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ بعثمان يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ بعلي كرم الله تعالى وجهه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جميع أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عنه رضي الله تعالى عنه أيضا في قوله تعالى: كَزَرْعٍ قال: أصل الزرع عبد المطلب أَخْرَجَ شَطْأَهُ محمد صلّى الله عليه وسلّم فَآزَرَهُ بأبي بكر فَاسْتَغْلَظَ بعمر فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ بعثمان لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ بعلي رضي الله تعالى عنه، وكل هذه الأخبار لم تصح فيما أرى ولا ينبغي تخريج ما في الآية عليها، وأعتقد أن لكل من الخلفاء رضي الله تعالى عنهم الحظ الأوفى مما تضمنته، ومتى أريد بالزرع النبي عليه الصلاة والسلام كان حظ علي كرم الله تعالى وجهه من شطأه أوفى من حظ سائر الخلفاء رضي الله تعالى عنه، ولعل مؤازرته ومعاونته البدنية بقتل كثير من الكفرة أعدائه عليه الصلاة والسلام أكثر من مؤازرة غيره من الخلفاء أيضا، ومع هذا لا ينخدش ما ذهب إليه محققو أهل السنة والجماعة في مسألة التفضيل كما لا يخفى على النبيه النبيل، فتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
ومن باب الإشارة في بعض الآيات: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً يشير عندهم إلى فتح مكة العماء بإدخال الأعيان الثابتة ظاهرة بنور الوجود فيها أي إظهارها للعيان لأجله عليه الصلاة والسلام على أن لام لَكَ للتعليل، وحاصله أظهرنا العالم لأجلك وهو في معنى ما
يروونه من قوله سبحانه:«لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك»
وقيل: يشير إلى فتح باب قلبه عليه الصلاة والسلام إلى حضرة ربوبيته عز وجل بتجلي صفات جماله وجلاله وفتح ما انغلق على جميع القلوب من الأسرار وتفصيل شرائع الإسلام وغير ذلك من فتوحات قلبه صلّى الله عليه وسلّم لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ليستر وجودك في جميع الأزمنة بوجوده جل وعلا وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإثبات جميع حسنات العالم في