لها، ولم يقل: حجرات نسائك ولا حجراتك توقيرا له صلّى الله عليه وسلّم وتحاشيا عما يوحشه عليه الصلاة والسلام، ومناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها فيكون القصد إلى الاستغراق العرفي أي جميع حجرات نسائه صلّى الله عليه وسلّم أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له عليه الصلاة والسلام على أن الاستغراق إفرادي لا شمولي مجموعي ولا أنه من مقابلة الجمع بالجمع المقتضية لانقسام الآحاد على الآحاد لأن من ناداه صلّى الله عليه وسلّم من وراء حجرة منها فقد ناداه من وراء الجميع على ما قيل، وعلى هذا يكون إسناد النداء من إسناد فعل الأبعاض إلى الكل، وقيل: إن الذي نادى رجل واحد كما هو ظاهر خبر أخرجه الترمذي وحسنه. وجماعة عن البراء بن عازب، وما
أخرجه أحمد وابن جرير وأبو القاسم البغوي والطبراني وابن مردويه بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد اخرج إلينا فلم يجبه عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال: ذاك الله فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ
إلخ، وعليه يكون الإسناد إلى الكل لأنهم رضوا بذلك وأمروا به أو لأنه وجد فيما بينهم، وظاهر الآية أن المنادى جمع وكذا جمع من الأخبار، وسنذكر إن شاء الله تعالى بعضا منها، وحمل الْحُجُراتِ على الجمع الحقيقي هو الظاهر الذي عليه غير واحد من المفسرين، وجوز كون الحجرة واحدة وهي التي كان فيها الرسول عليه الصلاة والسلام وجمعت إجلالا له صلّى الله عليه وسلّم على أسلوب حرمت النساء سواكم، وأيضا لأن حجرته عليه الصلاة والسلام لأنها أم الحجرات وأشرفها بمنزلة الكل على نحو أحد الوجهين في قوله تعالى:
وفرق الزمخشري بين مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ بإثبات مِنْ وراء الحجرات بإسقاطها بأنه على الثاني يجوز أن يجمع المنادي والمنادى الوراء، وعلى الأول لا يجوز ذلك، وعلله بأن الوراء يصير بدخول من مبتدأ الغاية ولا يجتمع على الجهة الواحدة أن تكون مبتدأ ومنتهى لفعل واحد. واعترضه في البحر بأنه قد صرح الأصحاب في معاني مِنْ أنها تكون لابتداء الغاية وانتهائها في فعل واحد وأن الشيء الواحد يكون محلا لهما ونسبوا ذلك إلى سيبويه وقالوا: إن منه قولهم: أخذت الدرهم من زيد فزيد محل لابتداء الأخذ منه وانتهائه معا قالوا: فمن، تكون في أكثر المواضع لابتداء الغاية فقط، وفي بعض المواضع لابتداء الغاية وانتهائها معا.
وصاحب التقريب بقوله فيه نظر، لأن المبدأ والمنتهى إما المنادي والمنادى على ما هو التحقيق أو الجهة، فإن كان الأول جاز أن يجمعها الوراء في إثبات مِنْ وفي إسقاطها لتغاير المبدأ والمنتهى، وإن كان الثاني فالجهة إما ذات أجزاء أو عديمتها، فإن كان الأول جاز أن يجمعهما في إثبات من أيضا باعتبار أجزاء الجهة، وإن كان الثاني لم يجز أن يجمعهما لا في إثبات من ولا في إسقاطها لاتحاد المورد. ورد الأول بأن محل الانتهاء هو المتكلم ليس إلا كما ذكره ابن هشام في المغني، وذكر أن ابن مالك قال: إن مِنْ في المثال للمجاوزة، والثاني غير قادح في الفرق على ما ذكره صاحب الكشف قال: الحاصل أن المبدأ الجهة باعتبار تلبسها بالفاعل لأن حرف الابتداء دخل على الجهة والفعل مما ليست المسافة داخلة في مفهومه فيعتبر الأمر أن تحقيقا لمقتضى الفعل والحرف، ولما أوقع جميع الجهة مبدأ لم يجز أن يكون منتهى سواء كان منقسما أو لا، ثم لما كان الوراء مبهما لم يكن مثل سرت من البصرة إلى جامعها إذ لا يتعين بعضها مبدأ وبعضها منتهى، على أن ذلك أيضا إذا أطلق يجب أن يحمل على أن المنتهى غير البصرة، أما إذا عينت فيجوز مع تجوز والأصل عدم إلا بدليل، ثم هذا الجواز فيما كانت النهاية مكانا أيضا أما إذا اعتبرت باعتبار التلبس بالمفعول فلا، وإذا لم يذكر حرف الابتداء لم يؤد هذا المعنى.
فهذا فرق محقق ومنه يظهر أن المذكور في التقريب من النظر غير قادح، وما ذكر من أن التحقيق أن الفعل