للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحصل به علم أو غلبة ظن، وقوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا تنبيه على أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما وما له قدر فحقه أن يتوقف فيه وإن علم أو غلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه ويتبين فضل تبين، ولما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذين معن بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب وما كان يقع مثل ما فرط من الوليد إلا في الندرة قيل: إِنْ جاءَكُمْ بحرف الشك، وفي النداء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا دلالة على أن الإيمان إذا اقتضى التثبت في نبأ الفاسق فأولى أن يقتضي عدم الفسق، وفي إخراج الفاسق عن الخطاب ما يدل على تشديد الأمر عليه من باب «لا يزني الزاني وهو مؤمن» والمؤمن لا يكذب، واستدل بالآية على أن الفاسق أهل للشهادة وإلا لم يكن للأمر بالتبين فائدة، ألا ترى أن العبد إذا شهد ترد شهادته ولا يتثبت فيها خلافا للشافعي. وعلى جواز قبول خبر العدل الواحد، وقرره الأصوليون بوجهين: أحدهما أنه لو لم يقبل خبره لما كان عدم قبوله معللا بالفسق، وذلك لأن خبر الواحد على هذا التقدير يقتضي عدم القبول لذاته وهو كونه خبر واحد فيمتنع تعليل عدم قبوله بغيره لأن الحكم المعلل بالذات لا يكون معللا بالغير إذ لو كان معللا به اقتضى حصوله به مع أنه حاصل قبله لكونه معللا بالذات وهو باطل لأنه تحصيل للحاصل أو يلزم توارد علتين على معلول واحد في خبر الفاسق، وامتناع تعليله بالفسق باطل للآية فإن ترتب الحكم على الوصف المناسب يغلب على الظن أنه علة له والظن كاف هنا لأن المقصود هو العمل فثبت أن خبر الواحد ليس مردودا وإذا ثبت ذلك ثبت أنه مقبول يعمل به. ثانيهما أن الأمر بالتبين مشروط بمجيء الفاسق ومفهوم الشرط معتبر على الصحيح فيجب العمل به إذا لم يكن فاسقا لأن الظن يعمل به هنا، والقول بالواسطة منتف والقول بأنه يجوز اشتراك أمور في لازم واحد فيعلق بكل منهما بكلمة إن مع أنه لا يلزم من انتفاء ذلك الملزوم انتفاء اللازم غير متوجه لأن الشرط مجموع تلك الأمور وكل واحد منها لا يعد شرطا على ما قرر في الأصول. نعم قال ابن الحاجب وعضد الدين: قد استدل من قبلنا على وجوب العمل بخبر الواحد بظواهر لا تفيد إلا الظن ولا يكفي في المسائل العلمية وذكرا من ذلك الآية المذكورة، ثم إن للقائلين بوجوب العمل به اختلافا كثيرا مذكورا في محله.

واستدل الحنفية بها على قبول خبر المجهول الذي لا تعلم عدالته وعدم وجوب التثبت لأنها دلت على أن الفسق شرط وجوب التثبت فإذا انتفى الفسق انتفى وجوبه وهاهنا قد انتفى الفسق ظاهرا ونحن نحكم به فلا يجب التثبت.

وتعقب بأنا لا نسلم أنه هاهنا انتفى الفسق بل انتفى العلم به ولا يلزم من عدم العلم بالشيء عدمه والمطلوب العلم بانتفائه ولا يحصل إلا بالخبرة به أو بتزكية خبير به له، قال العضد: إن هذا مبني على أن الأصل الفسق أو العدالة والظاهر أنه الفسق لأن العدالة طارئة ولأنه أكثر. واستدل بها على أن من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من ليس بعدل لأن الله تعالى أطلق الفاسق على الوليد بن عقبة فيها، فإن سبب النزول قطعي الدخول وهو صحابي بالاتفاق فيرد بها على من قال: إنهم كلهم عدول ولا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة، وهذا أحد أقوال في المسألة وقد ذهب إليه الأكثر من العلماء السلف والخلف. وثانيها أنهم كغيرهم فيبحث عن العدالة فيهم في الرواية والشهادة إلا من يكون ظاهرها أو مقطوعها كالشيخين. وثالثها أنهم عدول إلى قتل عثمان رضي الله تعالى عنه ويبحث عن عدالتهم من حيث قتله لوقوع الفتن من حينئذ وفيهم الممسك عن خوضها. ورابعها أنهم عدول إلا من قاتل عليا كرم الله تعالى وجهه لفسقه بالخروج على الإمام الحق وإلى هذا ذهبت المعتزلة.

والحق ما ذهب إليه الأكثرون وهم يقولون: إن من طرأ له منهم قادح ككذب أو سرقة أو زنا عما بمقتضاه في حقه إلا أنه لا يصر على ما يخل بالعدالة بناء على ما جاء في مدحهم من الآيات والأخبار وتواتر من محاسن الآثار، فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>