أبي جهل كان يمشي بالمدينة فقال له قوم: هذا ابن فرعون هذه الأمة فعز ذلك عليه وشكاهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت، وقيل غير ذلك وقوله عز وجل: عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ تعليل للنهي أو لموجبه أي عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند الله تعالى من الساخرين فرب اشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله تعالى لأبره، وجوز أن يكون المعنى لا يحتقر بعض بعضا عسى أن يصير المحتقر- اسم مفعول- عزيز أو يصير المحتقر ذليلا فينتقم منه، فهو نظير قوله:
لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
والقوم جماعة الرجال ولذلك قال سبحانه: وَلا نِساءٌ أي ولا يسخر نساء من المؤمنات مِنْ نِساءٍ منهن عَسى أَنْ يَكُنَّ أي المسخورات خَيْراً مِنْهُنَّ أي من الساخرات، وعلى هذا جاء قول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
وهو إما مصدر كما في قول بعض العرب: إذا أكلت طعاما أحببت نوما وأبغضت قوما أي قياما نعت به فشاع في جماعة الرجال، وإما اسم جمع لقائم كصوم لصائم وزور لزائر، وأطلق عليه بعضهم الجمع مريدا به المعنى اللغوي وإلا ففعل ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، ووجه الاختصاص بالرجال أن القيام بالأمور وظيفتهم كما قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء: ٣٤] وقد يراد به الرجال والنساء تغليبا كما قيل في قوم عاد وقوم فرعون أن المراد بهم الذكور والإناث وقيل: المراد بهم الذكور أيضا ودل عليهن بالالتزام العادي لعدم الانفكاك عادة، والنساء على ما قال الراغب وغيره وكذا النسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها، وجيء بما يدل على الجمع في الموضعين دون المفرد كأن يقال: لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة مع أنه الأصل الأشمل الأعم قيل جريا على الأغلب من وقوع السخرية في مجامع الناس فكم من متلذذ بها وكم من متألم منها فجعل ذلك بمنزلة تعدد الساخر والمسخور منه، وقيل: لأن النهي ورد على الحالة الواقعة بين الجماعة كقوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠] وعموم الحكم لعموم علته، وعَسى في نحو هذا التركيب من كل ما أسندت فيه إلى أن والفعل قيل تامة لا تحتاج إلى خبر وأن وما بعدها في محل رفع على الفاعلية، وقيل: إنها ناقصة وسد ما بعدها مسد الجزأين وله محلان باعتبارين أو محله الرفع، والتحكم مندفع بأنه الأصل في منصوبها بناء على أنها من نواسخ المبتدأ والخبر.
وقرأ عبد الله وأبيّ «عسوا أن يكونوا» . «وعسين عن أن يكن» فعسى عليها ذات خبر على المشهور من أقوال النحاة، وفيه الاخبار عن الذات بالمصدر أو يقدر مضاف مع الاسم أو الخبر، وقيل: هو في مثل ذلك بمعنى قارب وأن وما معها مفعول أو قرب وهو منصوب على إسقاط الجار وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ لا يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة لأن المؤمنين كنفس واحدة فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنه عاب نفسه، فضمير تَلْمِزُوا للجميع بتقدير مضاف، وأَنْفُسَكُمْ عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين وهم المؤمنون جعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم وأطلق الأنفس على الجنس استعارة كما في قوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: ١٢٨] وقوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] وهذا غير النهي السابق وإن كان كل منهما مخصوصا بالمؤمنين بناء على أن السخرية احتقار الشخص مطلقا على وجه مضحك بحضرته، واللمز التنبيه على معايبه سواء كان على مضحك أم لا؟ وسواء كان بحضرته أم لا كما قيل في تفسيره، وجعل عطفه عليه من قبيل عطف العام على الخاص